للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الثناء على طهارة أهل قباء]

قال الشارح: [قوله: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة:١٠٨] روى الإمام أحمد وابن خزيمة وغيرهما عن عويم بن ساعدة الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال: (إن الله قد أحسن عليكم الثناء بالطهور في قصة مسجدك)].

هذا يدل على أن الصحابة ما كانوا يعرفون الاستنجاء بالماء، ولهذا قال كثير من الفقهاء إن الاستنجاء لم يأت به نص من كتاب الله، وإنما جاءت هذه الأشياء فيما بعد، لا سيما وهذه القصة في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كانوا يستجمرون بالحجارة، ولهذا جاء الأمر بالاستجمار كثيراً ولم يأت الاستنجاء، والاستنجاء هو إزالة النجو بالماء.

والماء لا شك أنه أبلغ إزالة، ولكن إذا اقتصر الإنسان على إزالة أثر الخارج بالحجارة، أو ما هو مماثل للحجارة، فهذا جائز باتفاق العلماء، ولا يلزمه أن يتبع أثر ذلك بالماء، وإنما يكون هذا فضل؛ لأن الله أثنى على هؤلاء، ويكون فيه مبالغة في الطهارة.

ومعلوم أن الحجر يترك أثراً لا يزيله إلا الماء، ولكن هذا الأثر معفو عنه؛ لأنه أزال الشيء الذي يستطيع إزالته، وبقي الشيء الذي لا يزيله إلا الماء، فلو صلى بالاستجمار وإن كان الماء عنده فصلاته صحيحة باتفاق العلماء.

فعلى هذا يستحب للإنسان أن يجمع بين الحجارة والماء إذا أمكن، وإذا اقتصر على أحدهما فهو جائز.

قال الشارح: [قال رسول الله (فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟ فقالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئاً إلا أنه كان لنا جيران من اليهود فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا) وفي رواية عن جابر وأنس: (هو ذاك فعليكموه) رواه ابن ماجه وابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم.

قوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:١٠٨] قال أبو العالية: إن الطهور بالماء لحسن، ولكنهم المتطهرون من الذنوب].

أي: فهذا من باب الأولى كما مضى في حديث أبي سعيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (هو مسجدي هذا) فمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أولى أن يوصف بأنه أول مسجد أسس على التقوى من أول يوم؛ وهذا مثله، فإن الطهارة من الذنوب هي المقصودة، ولكن واضح أن الآية للتطهر الحسي من الخارج من البدن، والله يحب من تطهر لذلك وتنظف، ولكن كونه يتطهر من الذنوب أولى بأن يحب، فهذا كقوله جل وعلا: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:١٩٧] تزودوا: أي: بالطعام والشراب الذي تحتاجونه في سفركم، أمرهم بالتزود ثم نبه أن زاد التقوى خير وأفضل، وهذا كثير في القرآن وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام السلف.