للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ابتلاء الله للعباد الناذرين لغيره]

قال الشارح: [والمجاورون هناك فيهم شبه من الذين قال فيهم الخليل عليه السلام: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء:٥٢] والذين اجتاز بهم موسى عليه السلام وقومه، قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف:١٣٨] فالنذر لأولئك السدنة والمجاورين في هذه البقاع نذر معصية، وفيه شبه من النذر لسدنة الصلبان والمجاورين عندها، أو لسدنة الأبداد التي في الهند والمجاورين عندها.

وقال الأذرعي في شرح المنهاج: وأما النذر للمشاهد التي على قبر ولي أو شيخ أو على اسم من حلها من الأولياء، أو تردد في تلك البقعة من الأولياء والصالحين، فإن قصد الناذر بذلك -وهو الغالب أو الواقع من قصود العامة- تعظيم البقعة والمشهد، أو الزاوية، أو تعظيم من دفن بها أو نسبت إليه، أو بنيت على اسمه، فهذا النذر باطل غير منعقد، فإن معتقدهم أن لهذه الأماكن خصوصيات، ويرون أنها مما يدفع بها البلاء، ويستجلب بها النعماء، ويستشفى بالنذر لها من الأدواء، حتى إنهم ينذرون لبعض الأحجار لما قيل لهم: إنه استند إليها عبد صالح، وينذرون لبعض القبور السرج والشموع والزيت، ويقولون: القبر الفلاني أو المكان الفلاني يقبل النذر].

يقبل النذر يعني: أنه يحصل لهم ما أرادوا إذا نذروا، إذا مرض الإنسان فنذروا له يشفى، وإذا غاب إنسان فنذروا أن يأتي هذا الغائب جاء وما أشبه ذلك، هذا معنى (يقبل النذر)، يعني: أنه يقبل العبادة ويتصرف فيغيثهم ويعطيهم ما طلبوا، ويمنعهم مما رهبوا وخافوا، يعني: أنه يتصرف مع الله، فهذا الحجر يفعل شيئاً من ذلك، وهذا كان كثيراً جداً في نجد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقد كانت هناك حجارة وأشجار ونيران وكثيراً ما ينذر لها، كان بين الدرعية والعيينة غار يسمونه غار بنت الأمير، يقصدونه من كل جانب وينذرون له، ويتقربون إليه، والسبب فيه أنهم يقولون: إن بنت أمير من الأمراء سارت في هذه الطريق، فأتاها فجار يريدون نفسها، فلجأت في هذا الغار فحماها الغار، وكلها ترهات وحكايات يحكيها شيطان من الشياطين.

وفي العيينة نفسها كان هناك نخلة من النخل، وكانت المرأة إذا تأخر الزواج عنها جاءت إليه وسمت وقالت: يا فحل الفحول! أريد زوجاً قبل الحول، وإذا تأخرت الولادة أو لم يأتها ولد جاءت إليه وقالت: يا فحل الفحول! أريد ولداً قبل الحول، وهكذا! شجر وحجارة وقبور ونيران، وأشخاص يمشون على وجه الأرض، يقولون إنهم سادة، ينذرون لهم ويعبدونهم، يعني: أن شرك الجاهلية القديمة عاد إليهم، بل أكثر من ذلك.

ولكن الله طهر ذلك كله بسبب دعوة هذا الرجل جزاه الله خيراً، فإنه جاء بنور النبوة، ولهذا يقول بعض العلماء: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي أثر رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: (رأيت مهاجرة بلاد ذات نخل، فظننت أنها اليمامة، فإذا هي يثرب) وقال: قوله: (وظننت أنها اليمامة) من أثر قوله هذا ظهور هذا الرجل في هذه البلاد، وقيامه بالدعوة التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقريباً منها هو أثر هذه الرؤية.

وعلى كل حال: لا تزال هذه الدعوة -والحمد لله- آثارها باقية وقائمة، وقد تأثر بها كثير من المسلمين في الشرق والغرب والشمال وسائر البلاد.