للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إنكار وجود الجن كفر]

بعض الناس اليوم ينكر وجود الجن، وإنكار وجود الجن كفر وخروج من الإسلام؛ لأنه أمر تواترت عليه كتب الله، وكذلك جاءت به آثار الرسل، وقد يلتبس الجني بالإنس ويداخله؛ لأن الجن سلطوا على الإنس إذا لم يتحصنوا منهم بذكر الله وبأسماء الله، وليس هناك مخلص إلا بالالتجاء إلى الله، وذكر أسمائه وذكره، فذكر الله يطرد المردة من الجن، أما المؤمنون فهم لا يؤذون؛ لأنهم يعرفون أن هذا أمر محرم، ولكن الجهلة والكفرة والمردة يتسلطون على الإنس بسبب جهلهم، وبسبب غفلتهم وعدم ذكرهم لله، وإلا فهم ضعفاء، وإذا ذكر المؤمن ربه وتحصن بذلك فإنه يفر منه أشد الفرار، وقد جاء في وصف الذي يأكل الربا أنه يوم القيامة يقوم كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، والشيطان المقصود به هنا الجنس، يعني: الجن، فإنه يداخل الإنسان فيسقطه فيصبح مجنوناً، والأمم السابقة كل أمة تتهم نبيها بأنه مجنون ويرمونه بذلك؛ لأنهم يعرفون أن الجن يلابسون الإنس، وقد ذكر الله جل وعلا أن الإنس يستمتعون بالجن، والجن يستمتعون بالإنس، واستمتاع بعضهم ببعض يكون بالطاعة، ويكون بغير الطاعة، بفعل الشهوة وغيرها، نسأل الله السلامة.

فالمقصود أن الجن أمة مكلفة، وهم يحضرون مع الناس، يشاهدون الناس والناس لا يرونهم، وإذا كان يوم القيامة حشروا جميعاً كل يرى الآخر؛ لأن القيامة هي محل الجزاء، فيصبح الإنس لهم قرناء وأزواج من الجن الذين أضلوهم، يقرنون معهم في النار، فيدخلون فيها جميعاً.

قال الله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن:١ - ٢] إلى أن قال: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:٦].

ذكر المفسرون أن العرب كانت عادتهم إذا سافر أحدهم ثم أدركه الليل، أنه يلجأ ويعوذ بكبير الجن فيقول: أعوذ بسيد أهل هذا الوادي من سفهاء قومه، فصار هذا فتنة للجن والإنس؛ لأن الجن بهذه الاستعاذة زادوا الإنس رهقاً يعني: تسلطوا عليهم، فأكثروا تخويفهم؛ لأنهم رءوا أنهم يعوذون بهم، فتسلطوا عليهم، وهذا هو معنى زيادتهم رهقاً، والرهق هو الخوف والهلع أو الطغيان، فإذا كان الرهق عائداً إلى الإنس فهو الخوف، وإن كان عائداً إلى الجن فهو الطغيان، يعني: أن استعاذة الإنس بالجن زادت الجن طغياناً وتعدياً، فأصبحوا يتعدون على الإنس من أجل ذلك.

والآية تصلح لهذا وهذا، وقد جاء عن السلف المعنيان، جاء عن السلف أنهم جعلوا الرهق عائداً إلى الإنس، وعائداً إلى الجن، يعني: أن الجن زادوا الإنس خوفاً لما استعاذوا بهم فتسلطوا عليهم، وكذلك الإنس زادوا الجن طغياناً لما استعاذوا بهم، يعني: تكبراً وتجبراً وطغياناً على الإنس؛ لأنهم قالوا: أصبحنا سادة الجن والإنس.

وعلى كل فالمقصود من الآية: أن المؤمنين من الجن أخبروا أن الإنس استعاذوا بهم، وأن هذا لا يجوز، وأنه من الشرك الذي جاء القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم بإبطاله، فهم يتبرءون منه، ويخبرون عن أمر وقع وهم يقلعون عن ذلك يعني: المؤمنين منهم.

فدل ذلك على أن الاستعاذة عبادة، ويجب أن تكون بالله وحده، وأنها إذا وقعت الاستعاذة بالمخلوق فإن هذا شرك بذلك المستعاذ به.