للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على من ادعى أن للأولياء تصرفات في الكون حال حياتهم وموتهم]]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [وقال الشيخ صنع الله الحلبي الحنفي رحمه الله في كتابه في الرد على من ادعى أن للأولياء تصرفات في الحياة وبعد الممات على سبيل الكرامة: هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات يدَّعون أن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد مماتهم، ويُستغاث بهم في الشدائد والبليات، وبهممهم تُكشف المهمات، فيأتون قبورهم وينادونهم في قضاء الحاجات، مستدلين أن ذلك منهم كرامات، وقالوا: منهم أبدال ونقباء، وأوتاد ونجباء، وسبعون وسبعة، وأربعون وأربعة، والقطب هو: الغوث للناس، وعليه المدار بلا التباس، وجوَّزوا لهم الذبائح والنذور، وأثبتوا لهم فيهما الأجور.

قال: وهذا كلام فيه تفريط وإفراط، بل فيه الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي؛ لما فيه من روائح الشرك المحقق، ومصادمة الكتاب العزيز المصدَّق، ومخالفة لعقائد الأئمة وما اجتمعت عليه الأمة، وفي التنزيل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرَاً} [النساء:١١٥] ثم قال: فأما قولهم: إن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات، فيرده قوله تعالى: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:٦٠]، وقوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:٥٤]، وقوله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الشورى:٤٩] ونحوها من الآيات الدالة على أنه المتفرد بالخلق والتدبير، والتصرف والتقدير، ولا شيء لغيره في شيء ما بوجهٍ من الوجوه، فالكل تحت ملكه وقهره تصرفاً وملكاً، وإحياءً وإماتةً وخلقاً، وتمدَّح الرب تعالى بانفراده بملكه في آيات من كتابه كقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر:٣]، وقوله: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:١٣ - ١٤]، وذكر آيات في هذا المعنى.

ثم قال: فقوله في الآيات كلها: (مِنْ دُونِهِ) أي: من غيره، فإنه عام يدخل فيه من اعتقدتَه، من ولي وشيطان تستمده، فإن من لم يقدر على نصر نفسه كيف يَمد غيره؟! إلى أن قال: إن هذا لقول وخيم وشرك عظيم إلى أن قال: وأما القول بالتصرف بعد الممات، فهو أشنع وأبدع من القول بالتصرف في الحياة، قال جلَّ ذكره: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠] وقال: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر:٤٢] وقال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:١٨٥] وقال: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:٣٨]، وفي الحديث: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلَّا من ثلاث:) الحديث.

فجميع ذلك وما هو نحوه: دال على انقطاع الحس والحركة من الميت، وأن أرواحهم مُمْسَكة، وأن أعمالهم منقطعة عن زيادة أو نقصان، فدل ذلك على أنه ليس للميت تصرف في ذاته فضلاً عن غيره، فإذا عجز عن حركة نفسه فكيف يتصرف في غيره؟! فالله سبحانه يخبر أن الأرواح عنده، وهؤلاء الملحدون يقولون: إن الأرواح مطلقة متصرفة، {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:١٤٠].

قال: وأما اعتقادهم أن هذه التصرفات لهم من الكرامات، فهو من المغالطة؛ لأن الكرامة شيء من عند الله يكرم به أولياءه، لا قصد لهم فيه ولا تحدٍّ، ولا قدرة ولا علم، كما في قصة مريم بنت عمران رضي الله عنها وأسيد بن حضير وأبي مسلم الخولاني قال: وأما قولهم: فيستغاث بهم في الشدائد، فهذا أقبح مما قبله وأبدع؛ لمصادمته قوله جلَّ ذكره: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:٦٢] وقال: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعَاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام:٦٣ - ٦٤]، وذكر آيات في هذا المعنى.

]