للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكرامات من فعل الله عز وجل]

وأما دعوى الكرامة، فالكرامات من فعل الله جلَّ وعلا وليس للإنسان فيها صنع، ولا دخل له فيها، فإنها شيء يمن الله جلَّ وعلا به على عباده الذين يحتاجون إلى ذلك، يكرمهم به، وليس من شرط ولي الله أن يظهر على يده كرامة، فالكرامة تكون للحاجة، وهي من مقتضى ربوبية الله جلَّ وعلا، فإن رب العالمين هو الذي يربيهم بنعمه، فإذا احتاجوا إلى شيء أعطاهم إياه بمقتضى ربوبيته جلَّ وعلا.

وذكر بعض أمثلتها: كما وقع لـ مريم بنت عمران حينما ذكر الله جلَّ وعلا أن زكريا كلما دخل عليها المحراب: {وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقَاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:٣٧] يعني: بلا سعي منها، وإنما يأتي به الله جلَّ وعلا، والمقصود بـ (المحراب): المسجد المصلى الذي يُصلى فيه مكان الصلاة.

وكذلك ما وقع لـ أسيد بن حضير حينما خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء وهو في المدينة، وكان بيده سوط فأضاء له السوط، وصار في رأسه ضوء يبصر به طريقه، ويراه واضحاً جلياً، وكان معه أحد الصحابة، فكان هذا السوط يضيء لهما كأنه السراج، ثم لما وصلا إلى مكان يفترقان فيه -كل واحد يذهب إلى بيته- افترق هذا الضوء، فصار لكل واحد منه نصيباً، حتى وصلا إلى بيتيهما، فهذه كرامة من الله جلَّ وعلا وليست منهما.

وكذلك ما ذكر أنه وقع لـ أبي مسلم الخولاني، أبو مسلم الخولاني من التابعين، وهو الذي قال له الأسود العنسي لما ادَّعى النبوة: أتؤمن بي؟ قال: لا أسمع.

قال: أتؤمن بمحمد؟ قال: نعم.

فأمر به أن يُلقى في نار، فصارت النار عليه برداً وسلاماً، كما كانت على إبراهيم.

فهل هذا من صنع أبي مسلم؟! ليس من صنعه، بل من صنع الله جلَّ وعلا ومن فعله، ولا دخل لـ أبي مسلم فيه.

وكذلك لما ذهب في الجهاد في سبيل الله فاعترضهم البحر، فقال لهم: سيروا خلفي، فإننا عباد الله، وفي سبيله: باسم الله وعلى الله توكلنا، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله، فخاض البحر على فرسه، وخاض الناس خلفه، فلما عبروه وقف وقال: هل أحد منكم فقد شيئاً فأدعو الله أن يأتي به؟ فقال رجل منهم: فقدت قدحاً، فسأل ربه، فالتفت فإذا هو قد تعلق في خلف راحلته.

هذا وما أشبهه من الكرامات التي يكرم بها جلَّ وعلا عباده هي من فعل الله جلَّ وعلا، وليست من فعل العباد، ولا تصرف للعباد فيها، وهي أيضاً من آيات الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه لا تكون إلَّا لأتباع الرسل، أما إذا كانت للعصاة، ولمن يخالف كتاب الله وسنة رسوله، فهي من أمور الشيطان التي يلبِّس بها، فهي -في الواقع- إهانات وليست كرامات.

والمقصود: أن الملك كله لله، والعبادة كلها لله، ولا يجوز أن يُسأل مخلوق من المخلوقات -سواءً كان نبياً أو ملَكاً أو ولياً أو غيرهم- شيئاً لا يقدرون عليه.