للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[يجب الإخلاص لله في العبادة سواء كانت ظاهرة أو باطنة]

قال الشارح رحمه الله: [ففي هذه الآيات بيان أن كل مدعو يكون إلهاً، والإلهية حق لله لا يصلح منها شيء لغيره، ولهذا قال: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [القصص:٨٨]، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [لقمان:٣٠]، وهذا هو التوحيد الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥]، والدين: كل ما يُدان الله به من العبادات الظاهرة والباطنة] المقصود بالعبادات الظاهرة: كالدعاء، والقراءة والتسبيح، والتكبير، والصلاة، والزكاة، وأمثال ذلك.

أما العبادات الباطنة: فكالخوف، والرجاء، والخشية، والإنابة، أي: أفعال القلب والنيات، وهي من العبادات، ويجب أن تكون لله فقط، ليس فيها لأحد من الخلق شيء، ولا يُراد بها الدنيا، ولهذا توعد الذين يقصدون بها الدنيا، فقال: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} [هود:١٥]، فالإرادة هي: أعمال القلوب.

ثم قال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} [هود:١٦]: فالذين يريدون الدنيا بأعمالهم يكون هذا جزاؤهم.

والخلاصة: أن الأعمال تنقسم إلى قسمين: ظاهرة وباطنة: فالظاهرة: التي تظهر للرائي المشاهِد أو يسمعها السامع: من ذكر وتسبيح وغير ذلك، هذه تسمى ظاهرة؛ لأنها تظهر للناس، تُسمع أو تُرى.

أم الباطنة فهي: التي تكون في القلب، ولا يطلع عليها إلَّا رب العباد جلَّ وعلا.

ولهذا قد يكون ظاهر العمل أنه لله وفي الواقع هو لغير الله؛ لأن النية يُراد بها غير الله، وهذا يحاسب عليه رب العباد جلَّ وعلا، وقد جاءت الأخبار بأنه: (يأتي قوم بأعمال عظيمة يوم القيامة، فإذا جاءوا بها يقول الله جلَّ وعلا لملائكته: هذه حابطة وهم من أهل النار) لأنهم أرادوا بها غير وجه الله أرادوا بها أموراً أخرى من أمور الدنيا وغيرها، وفي الحديث: (من عمل عملاً فأشرك فيه مع الله غيره فإن الله يتركه وشريكه) يعني: يترك العمل للشريك فقط؛ لأنه جلَّ وعلا أغنى الشركاء، فهو لا يقبل عملاً فيه اشتراك، والعمل الذي يقبله هو ما كان خالصاً له جلَّ وعلا {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلَاً صَالِحَاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً} [الكهف:١١٠]، فقوله: (لا يشرك) هنا: يعم جميع العمل، و (أحداً): يعم جميع الخلق.