للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح قوله: (وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين)]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:٥ - ٦] نفى سبحانه أن يكون أحد أضل ممن يدعو غيره، وأخبر أنه لا يستجيب له ما طلب منه إلى يوم القيامة، والآية تعم كل من يُدعى من دون الله، كما قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلَاً} [الإسراء:٥٦] وفي هذه الآية أخبر أنه لا يستجيب له وأنه غائب عن داعيه.

{وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:٦]: فتناولت الآية كل داعٍ وكل مدعوٍّ من دون الله.

قال أبو جعفر بن جرير في قوله: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً} [الأحقاف:٦] يقول تعالى ذكره: وإذا جمع الناس ليوم القيامة في موقف الحساب كانت هذه الآلهة التي يدعونها في الدنيا لهم أعداءً؛ لأنهم يتبرءون منهم، {وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:٦] يقول تعالى ذكره: وكانت آلهتهم التي يعبدونها في الدنيا لعبادتهم جاحدين؛ لأنهم يقولون يوم القيامة: ما أمرنا بعبادتنا ولا شعرنا بعبادتهم إيانا، تبرأنا إليك منهم يا ربنا، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمَاً بُورَاً} [الفرقان:١٧ - ١٨].

قال ابن جرير: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الفرقان:١٧] من الملائكة والإنس والجن، وساق بسنده عن مجاهد قال: عيسى وعزير والملائكة] وهذه أفراد من المجاميع الكثيرة التي تُعبد، كعيسى وأمه وعزير وإنما هو مثال فقط، والمقصود: أن الآية تعم كل معبود من دون الله، وكل مدعو يدخل فيها؛ لأن ربنا جلَّ وعلا خاطب الخلق عموماً، خاطب أمة محمد صلى الله عليه وسلم عامة من أولهم إلى آخرهم، فكل من أوقع شيئاً من العبادة لغير الله جلَّ وعلا فهو داخل فيه؛ لكن عادة السلف أنهم ينصون على الشيء الظاهر المعروف للسامع الذي يسمع قولهم، ومرادهم بهذا أن يقاس عليه ما هو داخل فيه من نظائره الكثيرة، فيُتَنَبَّه لذلك، وهذا جاء تفصيله في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها: ما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما وذكر حديث الشفاعة ثم قال: (فيأت الله جلَّ وعلا).

يعني: يأتي إليهم وهم الوقوف في العرض، كما قال الله جلَّ وعلا: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [البقرة:٢١٠] وقال جلَّ وعلا: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر:٢٢ - ٢٣].

(فيأتي الله جلَّ وعلا ويخاطب الناس كلهم عموماً، يخاطبهم ويسمعون قوله جلَّ وعلا، يقول: يا عبادي! أليس عدلاً مني أن أولي كل واحد منكم ما كان يتولاه في الدنيا؟ فيقولون: بلى يا رب! فيؤتى بكل معبود عُبِد في الدنيا على هيئته: أما إن كان المعبود ملَكاً أو نبياً -مثل: عيسى أو رجلاً صالحاً من عباد الله- فإنه يؤتى بشيطان على مثاله الذي كانوا يعبدونه أو يتخيلونه؛ -لأن الشيطان هو الذي أمرهم، وهم -في الواقع- عبادتهم وقعت عليه، أما عباد الله من الملائكة ومن الأنبياء والصالحين، فهم برآء من ذلك لا يرضون به بل يكفرون به- ثم يقال لهم: اتبعوهم، -ولا توجد محاسبة هنا لهؤلاء، هذا هو حسابهم- فيتبعونهم إلى جهنم فيلقون فيها جميعاً، كما قال جلَّ وعلا: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء:٩٨]، ويبقى المؤمنون وفيهم المنافقون فيأتهم الله) وذكر بقية الحديث.

والمقصود هنا: قول الله جلَّ وعلا في هذا الحديث: (أليس عدلاً مني أن أولي كل واحد منكم ما كان يتولاه في الدنيا؟) فالذي كان يدعو شيئاً في الدنيا ويجعله واسطة له عند الله يؤتى به في ذلك اليوم، ويؤتى بالشيطان الذي سول له هذا وأمره به -إذا كان ذلك المدعو صالحاً من عباد الله جلَّ وعلا- ثم يقال له: (اتبع إلى ما يوردك إليه: {وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} [هود:٩٨]) فيكون هؤلاء قادتهم إلى جنهم، نسأل الله العافية.