للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسائل الباب]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فيه مسائل: الأولى: أن عطف الدعاء على الاستغاثة من عطف العام على الخاص] وهذا كثير، عطف العام على الخاص، وبالعكس قد يُعطف الخاص على العام، كقوله جلَّ وعلا: {مَنْ كَانَ عَدُوَّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ} [البقرة:٩٨]، فجبريل من عطف الخاص على العام.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثانية: تفسير قوله تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ} [يونس:١٠٦]].

تقدم أن الدعوة هنا عامة، تشمل: دعاء المسألة ودعاء العبادة، وأن كل مخلوق من المخلوقات لا ينفع ولا يضر إلَّا بإذن الله جلَّ وعلا، وأن الله جلَّ وعلا لم يأذن لأحد من عباده أن يدعو غيره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [المسألة الثالثة: أن هذا هو الشرك الأكبر] نعم، فدعوة غير الله هو الشرك الأكبر، ولهذا يخاطب الله جلَّ وعلا الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: {فَإِنْ فَعَلْتَ} [يونس:١٠٦] يعني: دعوت غير الله {فَإِنَّكَ إِذَاً مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس:١٠٦]، وسبق أن معنى الظلم هنا: وضع العبادة في غير موضعها، وأن الظلم هنا هو الشرك.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرابعة: أن أصلح الناس لو يفعله إرضاءً لغيره صار من الظالمين] إرضاءً لغيره من الخلق، ولو إرضاءً لإبليس صار من الظالمين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الخامسة: تفسير الآية التي بعدها] قال الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس:١٠٧] والآية التي بعدها: {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقَاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ} [العنكبوت:١٧]، فبين سبحانه أن الذين يُعبدون من دون الله لا يملكون شيئاً، حتى من الشيء الظاهر (الرزق) الذي يأكله الإنسان أو يلبسه أو يتموله لا يملكون منه شيئاً.

ثم قال: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ} [العنكبوت:١٧]، فجعل الرزق بيد الله جلَّ وعلا فقط، وأنه لا يُطلب من غيره، وتقديم المعمول الذي هو الظرف والذي يعمل فيه الفعل -فابتغوا- يدل على الاختصاص، وأن طلب الرزق خاص بالله جلَّ وعلا، وأنه عبادة، ولهذا عطف عليه قوله: (واعبدوه)، وهذا أيضاً من عطف العام على الخاص.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [المسألة السادسة: كون ذلك لا ينفع في الدنيا، مع كونه كفراً] يعني: دعوة غير الله لا تنفع في الدنيا، وهي تضر في الآخرة؛ لأن هذا الفعل كفر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [السابعة: تفسير الآية الثالثة] وهي قوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:٥ - ٦].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثامنة: أن طلب الرزق لا ينبغي إلَّا من الله كما أن الجنة لا تُطلب إلَّا منه].

لقوله تعالى: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ} [العنكبوت:١٧]، فيجب أن يكون طلب الرزق من الله وحده، مؤدياً للسبب غير معتمد عليه؛ لأن الذي جعل السبب هو الله ولا يجوز أن يُعتمد عليه، وفي المقابل لا ينبغي أن يُعطل السبب؛ بل يُفعل؛ لأن الله جعل لكل شيء سبباً؛ ولكن لو شاء لم يترتب المسبَّب على السبب جلَّ وعلا، فيجب أن يكون تعلق المسلم بالله وحده، مع فعل الأسباب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [التاسعة: تفسير الآية الرابعة.

العاشرة: أنه لا أضل ممن دعا غير الله.

الحادية عشرة: أنه غافل عن دعاء الداعي لا يدري عنه.

يعني: أن المدعو غافل عن دعاء الداعي، ولا يدري عن ذلك شيئاً.

الثانية عشرة: أن تلك الدعوة سبب لبغض المدعو للداعي وعداوته له] يعني: يوم القيامة، الداعي والمدعو كلاهما يلعن أحدهما الآخر؛ كما قال إبراهيم عليه السلام لقومه: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضَاً} [العنكبوت:٢٥]، ويقول الله جلَّ وعلا في الذين يتخذون من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة:١٦٥ - ١٦٦]، تبرأ كل واحد من الآخر: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا} [البقرة:١٦٧] يعني: لو أن لنا رجعة إلى الدنيا لتبرأنا منهم، ولجعلنا العبادة والحب والتعلق بالله وحده، ولكن من أين الكرة؟! قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثالثة عشرة: تسمية تلك الدعوة عبادة للمدعو] وهي قوله جلَّ وعلا: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ} [الأحقاف:٥]، ثم قال: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:٦] فبين أن الدعاء عبادة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرابعة عشرة: كفر المدعو بتلك العبادة.

الخامسة عشرة: هي سبب كونه أضل الناس] يعني: سبب كونه أضل الناس أنه دعا غير الله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ} [الأحقاف:٥].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [السادسة عشرة: تفسير الآية الخامسة] وهي: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:٦٢].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [السابعة عشرة: الأمر العجيب: وهو إقرار عبدة الأوثان أنه لا يجب المضطر إلَّا الله؛ ولأجل هذا يدعونه في الشدائد مخلصين له الدين]: وقد حصل لهم هذا الاعتقاد بالتجربة والواقع الذي شاهدوه ووقعوا فيه، وهو الذي اقتنعوا به وعلموه، ولكن إذا جاء الرخاء وذهبت الشدة عادوا لشركهم، ويوجد الآن ممن يدعي الإسلام من تجاوز هذا الفعل الذي كان المشركون يفعلونه؛ فإذا وقع في الشدة أخلص الدعوة لغير الله، وأخلص اللجوء إلى المقبور، فصار يتضرع ويبكي بكاءً لا يحصل له في المساجد ولا عند الكعبة، فإن حصل له مقصوده قدراً أضاف ذلك إلى الميت، وجعل ذلك دعوة يدعو بها غيره إلى التعلق به، أما إذا تخلف المقصود؛ فإنه يعود باللوم على نفسه.

فيقول: لم أكن مخلصاً في دعوته، أو أني قد فرطت أو قصرت في حقه؛ ولهذا ما أجابني.

وهذا شرك ما وصل إليه شرك أبي جهل وأبي لهب، وهو شرك عظيم، ومع ذلك يقع فيه كثير ممن يقول: (لا إله إلَّا الله) ويصلون ويصومون، ويكون قد أتى بالمتناقضات مناقضات العقول ومناقضات الشرع والوضع؛ لأنه -في الواقع- ما استعمل عقله، أما أولئك فعندهم عقل استعملوه، وعلموا أن هذه المدعوات لا تكشف الكربات، ولا تغيث اللهفات، فتبرءوا منها وتركوها في وقت الحاجة وإزالة الشدة التي يقعون فيها، وأخبر ربنا جلَّ وعلا كثيراً عنهم أنهم إذا ركبوا في البحر: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:٦٥]، ولكن إذا نجوا وجاء الرخاء عادوا إلى الشرك.

ولهذا يقال: أولئك أصح عقولاً من هؤلاء، وأخف شركاً من هؤلاء، وإن كان هؤلاء يصلون ويصومون.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثامنة عشرة: حماية المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حمى التوحيد والتأدب مع الله] هذا مأخوذ من الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله جلَّ وعلا) فهو من باب سد الذرائع، وحماية الشيء يكون بمنع الشيء الذي يجوز، لئلا يُدخل مع هذا الجائز إلى ما لا يجوز.