للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا تقع الشفاعة للمشفوع له إلا بإذن الله]

الرابع: الشفاعة، قال سبحانه: {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ:٢٣] فأخبر الله جل وعلا أنه لا يأذن إلَّا لأهل التوحيد، فلا يأذن في الشفاعة إلَّا لمن عبده وحده.

والخلاصة: أن الأمر كله لله، والخير كله بيد الله، والشر لا يدفعه إلَّا الله، فالعبد هو عبد لله مهما كان، سواءً كان نبياً أو كان ملكاً من الملائكة، أو كان ولياً حياً أو ميتاً, فدعوته بهذه المثابة.

ومراد المؤلف بهذه الترجمة أن يبين أن أعظم المعبودات التي عُبدت من دون الله هي الملائكة، ومعلوم أن العبادة التي وقعت لغير الله وقعت للأصنام، ووقعت للجن، ووقعت للأنبياء والصالحين كعيسى وعزير وغيرهم، ووقعت للملائكة ووقعت لأصنام من جمادات ما بين شجر وحجر وشمس وقمر ونجوم وغير ذلك، فكل عبادات المشركين لا تخرج عن هذا، وأعظمها الملائكة، فإذا كان الملائكة أعظم المعبودات فلنستمع إلى صفاتهم التي وصفهم الله جلَّ وعلا بها فقال في هذه الآية: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:٢٣] و (فُزِّع) يعني: أصابه الفزع، وشرح ذلك وبيانه سيأتي إن شاء الله في الحديث وفيه: إن الله جلَّ وعلا إذا تكلم بالوحي الذي يريد أن يوحيه -بأمره ونهيه وتدبيره في ملكه- إلى جبريل عليه السلام، فتشعر الملائكة كلها التي في السماء بصوت الوحي من الله، فتصيبهم رعده عظيمة، ثم يُصعقون خوفاً من الله، فتُصعق الملائكة -يُغشى عليهم- خوفاً من الله جلَّ وعلا، فإذا ذهب الصعق وفُزِّع عن قلوبهم -يعني: زال الفزع عن قلوبهم الذي هو الخوف من الله- صار يسأل بعضهم بعضاً: ماذا قال الله؟ - {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ:٢٣]؟ فينتهي السؤال إلى جبريل؛ لأنه هو أمين الله على وحيه، وهو أقرب الملائكة إلى الله، وهو الذي يوحي الله جلَّ وعلا بالأمر إليه سواءً كان الأمر في السماء أو في الأرض، فيقولون له: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول: قال {الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:٢٣] وكلهم يقولون هذا، قال: {الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:٢٣]، وفي رواية أخرى: (أن السماوات تأخذها رِعدة أو رَعدة أو رجفة شديدة خوفاً من الله جلَّ وعلا) وهذا يعني: أن السماء يصيبها هذا الشيء، ترتعد وترتجف خوفاً من الله، والسماوات التي هي جماد يجعل الله جلَّ وعلا فيها الإحساس والخوف منه وقد أخبر جلَّ وعلا أنها تسبح بحمده، فقال سبحانه: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء:٤٤] فعند ذلك تتبين عظمة الله، وأن الذين يدعون أحداً غير الله ظالمون وهالكون، وأن الدعوة يجب أن تكون لله جلَّ وعلا، فإذا كان هذا بالنسبة للملائكة فكيف بالنسبة للبشر الضعفاء؟! كيف بالنسبة للجمادات وغيرها؟! فهذا دليل واضح على أن كل دعوة لغير الله باطلة.