الوجه الثاني: علو القهر: وهذا علو مطلق، فإنه قاهر لكل شيء، الخلق كلهم تحت قهره، يتصرف فيهم وأقدارُه تجري عليهم رضوا أم لم يرضوا:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدَاً}[مريم:٩٣] يعني: ذليلاً مقهوراً خاضعاً ليس له شيء، وكذلك يخبر جلَّ وعلا أنه يخاطب الناس يوم القيامة، وأنهم يأتون إليه فرادى كما خلقهم، ويقول لهم:{وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}[الأنعام:٩٤] يعني: تقطعت المودة والدعوات {وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}[الأنعام:٩٤] أي: الشيء الذي زعموه ضل عنهم وذهب، وحصحص الحق وظهر ظهوراً تاماً، فالملك كله لله، والقهر كله لله، فهو القاهر، وله علو القهر تعالى وتقدس.
وهذان الوصفان -علو القدر وعلو القهر- لم ينكرهما أحد من أهل البدع حتى الجهمية والمعتزلة أقروا بهما؛ ولكن الأمر الثالث هو الذي أنكره أهل البدع.