للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحمل الشياطين للمخاطر من أجل إضلال الناس]

قوله: (فيسمعها مسترق السمع) المعنى: أن مسترقي السمع هم الشياطين ومعهم الجن؛ لأن الشياطين من الجن وهم مَرَدَتُهم، كما أن الإنس منهم شياطين؛ فمن تمرد منهم وخرج عن قوله فهو شيطان، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر: (استعذ بالله من شياطين الإنس والجن)، كذلك قال الله جلَّ وعلا: {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورَاً} [الأنعام:١١٢]، فإذاً: يكون الشياطين من الإنس كما يكونون من الجن.

وكونه يسترق السمع ليس معنى ذلك أن الشياطين يصلون إلى السماء، فهم لا يستطيعون ذلك، ولكن الملائكة ينزلون في السحاب حسب أمر الله جلَّ وعلا وتدبيره لهم، فيتكلمون فيما بينهم بأمرٍ مما أُمروا به من أمر الله، فتخطفها الشياطين، ووصف: أن الشياطين يركب بعضُهم بعضاً لأجل أن يسترقوا هذه الكلمة، مع أن فيها خطورة، ومع ذلك يرتكبون الخطر لأجل أن يضلوا الناس، مما يدل على حرصهم على إضلال بني آدم، فإذا تراكبوا لاستراق السمع، وسمعوا كلمةً أخذها الذي يليهم بسرعة، ثم ألقاها على من تحته حتى لا يدركه الشهاب قبل أن يلقيها، إلى أن تصل إلى آخر واحد في الأرض، فيذهب بها مسرعاً إلى وليه من الإنس الذي هو الكاهن أو الساحر، ويقُرُّها في أذنه كما تقُرُّ الدجاجة، فيزيد معها مائة كذبة، والزيادة هذه يحتمل أن تكون من الكاهن أو الساحر، ويحتمل أن تكون من الشيطان.

وقوله: (فإذا حدث بالحديث -الذي من الكذب- يصدقه الناس لأجل هذه الكلمة الواحدة، وقد زاد معها مائة كذبه، فإذا خالف خبرُه الواقع قالوا: ألم يقل يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟!) يعني: يستدلون بهذه الكلمة الصادقة على أن كل ما يقوله حق وصدق، وهذا من الغرور، وهذا يدل على أن النفوس تقبل الباطل بكلمة واحدة، فمثلاً الكلمة الواحدة تكون حقاً، فيُنقل إلى الناس فيها مائة كلمة تكون كذباً، فهذا من لبس الحق بالباطل، وذلك لأن الأمر لو كان كله باطلاً ما قُبل، ولكن قد يكون فيه شيء من الحق، وهذا يدلنا على أن الشيء إذا كان فيه نفع أو حق لا يدل على أنه جائز، وقد قال الله جلَّ وعلا: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:٢١٩] فأخبر أن في الخمر والميسر منافع للناس، وكون فيهما منافع للناس لا يدل على حِلِّهما، ولا على جوازهما، فكذلك الشرك الذي يقع من الكاهن أو الساحر وإن كان فيه منفعة فهو ممنوع ومحرم شرعاً.