للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعليم النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه الصفات]

في سنن أبي داود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في خطبة يخطب ويتكلم على المنبر، فقرأ قول الله جلَّ وعلا: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعَاً بَصِيرَاً} [النساء:١٣٤] فوضع إصبعاً واحدةً على عينه والأخرى على أذنه)؛ ليبين أن هذا حقيقة، فالله يرى ويسمع حقيقةً، فهو يعلم المؤمنين ذلك، وهؤلاء النفاة لا يقرون مثل هذا.

وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً فجاء حبر من اليهود فقال: يا رسول الله! إن الله يضع السماوات على إصبع، والأراضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن ويقول: أنا الملك أنا الملك أين ملوك الدنيا؟! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لما قال، وقرأ قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعَاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧]).

وفي رواية: أن هذا الحبر اليهودي كان يشير بالأصابع ويقول: (يضع السماوات على ذِه، والأراضين على ذِه، ويشير بأصابعه) وقد جاء هذا مسلسلاً بالأئمة، روَوه هكذا.

والمقصود أن ذكر الصفات في تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم وخطاباته كذكرها في كتاب الله، فإن الله ذكرها كثيراً في كتاب الله، فلهذا يقول بعض العلماء: تأويل نصوص المعاد أسهل وأيسر من تأويل نصوص الصفات؛ لأن نصوص المعاد ليست كثيرة كنصوص الصفات، والصحابة رضوان الله عليهم اتفقوا على الإيمان بها ولم يوجد بينهم خلاف في ذلك أبداً، ولن يستطيع الإنسان أن يأتي بمسألة من مسائل الصفات فيها خلاف، أما ما يشغِّب به بعض المشغِّبين الذين فُتنوا باتباع الشبهات من قولهم: إنه وُجد الخلاف بينهم؛ لأنهم اختلفوا هل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ربه أو لم يره ليلة المعراج؟ فهذا ليس من هذا الباب، فهم اختلفوا في هذا أثبت أم لم يثبت؟ أما الصفات فما اختلفوا فيها.

فعلى كل حال فالصفات هي التي تعرف الله جلَّ وعلا بها إلى عباده؛ لأن الله غيب، ما أحد يراه، وليس كمثله شيء فيُقاس على الشيء المشاهَد، فلا يمكن أن يكون هناك طريق للتعرف على صفاته جلَّ وعلا إلَّا بالوحي فقط، فالوحي هو الطريق الوحيد، لا العقل ولا غيره.