للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إثبات الصفات خلافاً للأشعرية

[العشرون: إثبات الصفات خلافاً للأشعرية المعطلة].

في هذا الباب من الصفات أن الله جلَّ وعلا في السماء، وأنه يتكلم، فهاتان الصفتان ظاهرتان من هذه الآية، كونه جلَّ وعلا هو العلي الكبير، وكونه يتكلم بكلام يُسمع؛ ولهذا تقول الملائكة: ماذا قال ربنا؟ والذين ذكرهم من الأشاعرة وغيرهم لا يؤمنون بأن الله يقول قولاً يُسمع، وإنما يقولون: إن كلام الله هو معنىً قائم بذاته والقرآن والتوراة والإنجيل وغيرها من الكتب التي أنزلت على الرسل هي عبارة عن كلام الله، يقولون: عبارة! ومن الذي عبَّر عن كلام الله؟! هذا شيء عجيب! يقولون: إن الله جلَّ وعلا علم بما في نفسه جبريل أو غيره، فأخذ ما في نفسه من المعنى وعبَّر عنه، فيقولون: إن الله جلَّ وعلا جعل في جبريل أو خلق في جبريل الشيء الذي أراد أن يعبر عنه، أراد من جبريل أن يعبِّر عنه فعبَّر عنه، وكل هذا فراراً منهم -زعموا- من التشبيه، فالواقع أنهم وقعوا في التعطيل وفي التشبيه، والذي دعاهم إلى التعطيل هو التشبيه أولاً، وهذا -في الواقع- إنكار للرسالة، وإنكار لكون الله جلَّ وعلا هو الكامل؛ لأن الذي يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، وكثيراً ما يعيب الله جلَّ وعلا عبدة الأصنام بأنهم يعبدون من لا يسمع ولا يبصر، ولا يفهم منهم القول ولا يرده، وهذا عيب في المعبود؛ لكونه لا يسمع الكلام ولا يتكلم، ومن المعلوم أنه لو قدر أن مخلوقين من الناس أحدهما يتكلم ويستطيع أن يبين عما في نفسه بالكلام الفصيح والآخر ما يستطيع، فعند كل العقلاء أن المتكلم أكمل ممن لا يتكلم، ثم كيف يكون الإنسان متكلماً بليغاً فصيحاً؟! من الذي خلق هذا؟! من الذي خلق فيه الكلام والمقدرة على البيان؟! فهل الذي خلق فينا الكلام يكون عادماً لصفة الكلام؟! تعالى الله وتقدس.

المقصود: أن الذي دعاهم إلى هذا هو كونهم تركوا كتاب الله جلَّ وعلا، ولم يؤمنوا الإيمان الواجب به وبما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعلقوا بما يزعمون أنها براهين عقلية، وهي -في الواقع- وساوس وشكوك ليس إلَّا، ليست براهين، والله جلَّ وعلا يقول: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة:١٣]، كيف نقول: لا؟! يقول لنا ربنا هذا ونقول: لا؟! تعالى الله وتقدس، ويقول جلَّ وعلا: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦] وهو يسمع كلام الله ممن يبلغه من الرسول أو من غيره، ويقول جلَّ وعلا لما ذكر أنه فضل بعض النبيين على بعض: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمَاً} [النساء:١٦٤]، ومن المعروف في لغة العرب أن الكلام إذا أُكد بمصدر فإنه لا يحتمل إلَّا النص الذي نص عليه، ولا يحتمل تأويلاً، فهنا يقول: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمَاً} [النساء:١٦٤]، والرسول صلى الله عليه وسلم لما كان في مكة كان يعرض نفسه على القبائل ويقول: (مَن يؤويني حتى أبلغ كلام ربي؟! فإن قريشاً منعتني أن أبلغ كلام ربي) وليس هناك أحد من الكفرة قال: إن الله لا يتكلم، فكيف هؤلاء الذين يأتون فيما بعد ويتركون كتاب الله جلَّ وعلا ويقول أحدهم: إن الله لا يتكلم؟! أخذوا بترهات وشكوك ودعاوى باطلة تخالف نصوص الكتاب والسنة.