للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جواز الحلف من غير استحلاف]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك)) قال النووي: وفيه جواز الحلف من غير استحلاف، وكأن الحلف هنا لتأكيد العزم على الاستغفار تطييباً لنفس أبي طالب].

إذا جاءت (اللام) هذه التي في قوله: (لأستغفرن) فهذه لام القسم، وإن كان القسم يأتي بأدوات معينة، فحروف القسم ثلاثة كما هو معروف: (الواو، والتاء، والباء): تقول: والله، وتالله، وبالله، هذه هي حروف القسم؛ ولكن هذه تُحذف، والقسم يؤكد بحروف: يؤكد بـ (قد)، ويؤكد بـ (اللام)، ويؤكد بـ (النون الثقيلة) مع حذف حروف القسم، والمحذوف يُحذف لكثرة الاستعمال ولدلالة الباقي عليه، ومع ذلك يُحكم بأنه قسم.

فقوله: (لأستغفرن) التقدير: والله! لأستغفرن لك، فاقتصر على (اللام) والتأكيد، (اللام) للتأكيد و (النون) للتأكيد؛ لأن القسم كله تأكيدات.

وقوله: (فيه جواز الحلف من غير استحلاف) يعني: إنشاءً، وهذا أدلته كثيرة، وكثيراً ما يأتي في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يُقسم ولو لم يُطلب منه قسم، فكثيراً ما يقول: (والذي نفسي بيده!) على أخبار يخبر عنها، وذلك من عادة العرب في مخاطباتهم.

مثلاً: إذا صار الأمر مهماً أو صار المخاطَب عنده غفلة أو عنده عدم قبول فإن الأخبار تؤكد له بالقسم وبغيره من المؤكِّدات حتى يكون ذلك أوقع في نفسه وأدل على قيام الحجة عليه، وهذا هو المراد والمقصود بالقسم.

والقسم لا يجوز في دين الإسلام أن يكون بغير الله جلَّ وعلا أو صفاته، أما في دين الجاهلية فهم يقسمون بمعظَّمات عندهم، فيقسمون بالأصنام، ويقسمون بالآباء، وبالشرف، وبالأمانة، وبغير ذلك؛ ولكن هذا شرك كما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم.

فيجوز للإنسان أن يقسم على الشيء المؤكد عنده ولو لم يُطلب منه ذلك، ولا يكون آثماً بذلك، بل قد يكون هذا مستحباً كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله.