للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حديث: (هلك المتنطعون)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولـ مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هلك المتنطعون قالها ثلاثاً)].

قال الشارح: [قال الخطابي: المتنطع المتعمق في الشيء، المتكلف البحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم.

ومن التنطع: الامتناع من المباح مطلقاً كالذي يمتنع من أكل اللحم والخبز، ومن لبس الكتان والقطن، ولا يلبس إلا الصوف، ويمتنع من نكاح النساء، ويظن أن هذا من الزهد المستحب، قال الشيخ تقي الدين: فهذا جاهل ضال.

انتهى].

يعني: أن الإنسان إذا بالغ في مجانبة الأمور التي قد يخيل إليه أن تركها أحب إلى الله، وهو في ذلك ليس على دليل؛ لأن الإنسان في كل ما يتعبد به يجب أن يكون على دليل، ولا يجوز أن يعمل برأيه أو بقياسه أو بالنظر إلى ما الناس عليه؛ لأن العبد مقيد في عبادة الله جل وعلا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء قدر على فعل ذلك أو لم يقدر؛ لأنه ليس كل إنسان يستطيع أن يأتي بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه)، فقيد الفعل بالمستطاع، أما الترك فيجب أن يجتنب جميعاً، ولا يقول: ما استطعت أن أترك هذا، فكل منهي عنه يستطيع أن يجتنبه.

فالإنسان إذا لم يكن متقيداً بالشرع فهو على خطر عظيم، ولا بد أن يقع في التقصير أو يقع في التفريط، إما أن يقع في البدع أو يقع في المعاصي، ولا يخلو من ذلك إذا لم يكن متقيداً بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

لما جاء أولئك النفر يسألون عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروا بهديه وبطريقته، وأرادوا أن يزيدوا على ما كان يفعله الرسول صلى عليه وسلم، فقال أحدهم: أنا أقوم ولا أنام، وقال الآخر: أنا لا أتزوج النساء، وقال الآخر: أنا لا آكل اللحم، كل ذلك تقشفاً وطلباً للخير باجتهادهم، ولما بلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لكني أقوم وأنام، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، وأصوم وأفطر، فمن رغب عن سنتي فليس مني).

من كان مجتهداً وقاصداً الخير، ولكنه لم يكن على طريقة المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه يكون ضالاً، ويكون غاوياً، ويكون آثماً، فقد قال الله جل وعلا: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية:٢ - ٤] فأخبر أنها مع خشوعها وعملها ونصبها تصلى النار الحامية، وذلك لأنهم يتعبدون بالبدع، بغير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.