للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكلام على حديث (ما بين بيتي ومنبري) وتصرف الرواة فيه]

جاء حديث في صحيح البخاري: (ما بين منبري وقبري روضة من رياض الجنة) والظاهر أنه مغير من الراوي، الراوي نفسه غير لفظه، بدليل أنه جاء في الرواية الأخرى: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) فغير بعض الرواة بدل البيت (القبر)، ولو كان هذا ثابتاً ما اختلف الصحابة في مكان دفنه، وهذا نص صريح، وجاء عن عدد من الصحابة رووه، فدل هذا على أن اللفظ قد غير، وأن الصواب: (ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة) كما هو في بعض الروايات التي في الصحيح أيضاً.

قوله: (ولكن خشي) جاءت هذه الكلمة مضمومة الخاء ومفتوحة الخاء، (خَشي، وخُشي)، فإذا كانت بالضم فمعنى ذلك أن الصحابة هم الذين خشوا ذلك، أما إذا كان بالفتح فيكون صلوات الله وسلامه عليه هو الذي خشي ذلك، وهذا بعيد؛ لأنه لو وقع ذلك لما صار عندهم خلاف أين يدفنوه، فإنهم اختلفوا في دفنه حتى روى لهم أبو بكر رضي الله عنه الحديث.

والإبراز هي العادة التي جرت بينهم، فما اعتادوا أن أحداً يدفن في بيته، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم خشي أن يقع ما وقع، وهذا في الواقع وقع لغيره ممن لا يدانيه، بل لا يداني لباسه الذي يكون عليه، بل لا يداني نعاله صلوات الله وسلامه عليه، فلا أحد يقاس على رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما كان.

فلا شك أن الفتنة تكون في هذا أقرب وأكثر؛ لهذا يوجد الآن كثير من الناس الذين لا يعرفون التوحيد كما ينبغي؛ لو مكن من حمل ترابه وأكله والسجود عليه لفعل، كثير من الناس لو يتمكن من أكل التراب الذي على قبره لأكله، ولو يتمكن أن يسجد عليه لسجد، ويرى أن هذا هو غاية المنى؛ لجهلهم بدين الرسول صلى الله عليه وسلم، وما يحبه وما يكرهه، فهذا مكروه، بل هو من أبغض ما يكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.