للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حماية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم من أن يعبد قبره]

حمى الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم وصانه من أن يعبد، وقد كان يقول: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ألا إني أنهاكم عن ذلك) ولهذا كره الأئمة التردد إليه للزيارة، والإمام مالك رحمه الله كره أن يقول الإنسان: زرت قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: ما ينبغي هذا، وليس قبر الرسول صلى الله عليه وسلم كقبر غيره، فصانه الله جل وعلا وحماه أن يسري إليه الناس، فبالغ السلف في حمايته حتى بنوا عليه حيطاناً، وأغلقوها من جميع الجهات، من السقف ومن الجوانب كلها مغلقة، ولا أحد يصل إليه، ثم بني جدران عن يمين القبر وشماله، جدران ينحرفان حتى ينتهيان بزاوية من جهة الشمال؛ لئلا يستقبل في الصلاة، ولكن غير هذا، ثم غير بالشبك الذي وضع عليه، فصار الناس يستقبلونه، والإنسان له نيته وقصده، فإذا كان في استقباله يقصد القبر فله هذه النية، والإنسان يحاسب على نيته، فإنما الأعمال بالنيات.

قال الشارح رحمه الله: [قوله: ولهما عنها -أي: عائشة رضي الله عنها- قالت: (لما نُزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها فقال -وهو كذلك-: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً) أخرجاه].

الصواب أن يُقال: (خُشي)، هذا هو الراجح، وإن كان بعض العلماء ضبطوه (خَشي)، فإذا كان (خَشي) فهو الذي أمر بذلك، ولكن هذا بعيد؛ لأنهم لو كانوا يعلمون أمره لما حصل خلاف بينهم في موضع دفنه.

والله يلعن من يشاء، كما أنه يرحم من يشاء، والملعون من حقت عليه اللعنة، واللعن معناه: الطرد والإبعاد عن الرحمة ومظانها، فإذا صار الإنسان ملعوناً فمعنى ذلك أنه مطرود مبعد عن الخير كله، وعن رحمة الله، وإذا طرد عن رحمة الله فمعنى ذلك أنه من أشر الخلق نسأل الله العافية.

والرسول صلى الله عليه وسلم يلعن من يلعنه الله، فالذي استحق اللعن يُلعن، ولكن قد يلعن قوماً؛ لأنهم يستحقون ذلك، ثم تتغير أحوالهم ويتفضل الله جل وعلا عليهم بالتوبة، كما سبق في قصة أحد أنه لعن عدداً من رؤساء الكفار، ثم تاب الله عليهم بعد ذلك، فمثل هذا في بيان الأحكام يدل على أن فعل هذا من الكبائر، ما يلعن إلا من خالف أمر الله أو أمر الرسول؛ لأن هذا في بيان الأحكام، وليس لعن شخص معين فعل فعلاً معيناً، فلعن هذا أمره أعظم؛ فكل من فعل هذا فهو داخل في اللعنة، فإذا فعل شيئاً من ذلك فهو داخل في لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسواء قلنا: إن اللعن خبر يخبر به عن الله أنه لعنه، فخبره صدق وحق، أو قلنا: إنه دعا عليه بأن الله يلعنه، والأول هو الصواب؛ لأنه صلوات الله وسلامه عليه يبين ما أنزل إليه.