للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خلاف العلماء في خلافة أبي بكر هل هي نص أم إشارة]

اختلف العلماء: هل خلافة أبي بكر نص أو أنها إشارات وإيماء؟ فمنهم من قال: إنها منصوص عليها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: هي إشارات، وهذا هو الواقع، والإشارات هذه قريبة من التصريح، وأما ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً أن لا تضلوا بعدي، فاختلفوا فمنهم من يقول: نأتي بالكتاب، ومنهم من يقول: هل قال هذا من شدة المرض أو أنه يقصد ذلك، فلما اختلفوا قال: قوموا عني فما أنا فيه خير مما أنتم فيه) فلم يكتب، وقال ابن عباس: (الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الكتابة)، وقالوا: إن هذه الكتابة هي كتابة بالخلافة، والواقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يكتب شيئاً لم يمنعه أحد من الكتابة، ولأمر أن يكتب، ولهذا جاء في رواية: (أنه صلى الله عليه وسلم قال لـ عائشة: ادعي لي أخاك وأباك لأكتب لهما لئلا يقول قائلٌ، ثم بعد ذلك قال: ولكن يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر فترك الكتابة) فرأى أن تركهم بدون كتابة واجتماعهم عليه بالاتفاق أحسن وأولى، كما قال: (يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك) المقصود بالقبور هنا: عموم القبور؛ لأن نهي النبي إذا كان موجهاً إلى قبور الأنبياء فقبور غير الأنبياء أولى بأن يوجه النهي إليها، وأن يمنع من اتخاذها مساجد، ثم ليس معنى ذلك: أن تبنى عليها المساجد وتقصد، بل المقصود أن لا يصلى عندها؛ لأن كل مكان صليت فيه فهو مسجد، كما قال صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأي إنسان أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره) وهذا من خصائص هذه الأمة، فأي موضع يصلي فيه الإنسان يكون مسجداً، فمعنى ذلك: أنه لا يجوز أن يصلى عند القبور؛ لأنه منهي عنه، ولهذا نص العلماء: على أن الصلاة لا تصح في المقبرة، أو عند القبر، مطلقاً، بل قالوا: لا تنعقد أصلاً لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إيقاعها في لك الموضع.

وأما ما جاء من أنه صلى الله عليه وسلم صلى على بعض القبور فإن هذا خاص بالصلاة على الجنازة، وقالوا: إذا كان في المقبرة حائل فيجوز أن تصلي على الميت خاصة، أما غير صلاة الجنازة فلا يجوز مطلقاً؛ لهذه الأحاديث التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سيما وهي أحاديث قالها وهو في مرض موته صلوات الله وسلامه عليه، ولا يمكن أن يقول قائل: إن هذه منسوخة، أو إنها خاصة، بل هي عامة وظاهرة في أنه قصد بها المنع من الصلاة عند المقابر.

ولـ مسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل؛ فإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك)