للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النهي عن الصلاة عند القبور سداً لوسائل الشرك لا لأجل النجاسة

قال الشارح: [قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما المقبرة فلا فرق فيها بين الجديدة والعتقية انقلبت تربتها أو لم تنقلب، ولا فرق بين أن يكون بينه وبين الأرض حائل أو لا؛ لعموم الاسم وعموم العلة؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ومعلوم أن قبور الأنبياء لا تنجس.

وبالجملة فمن علل النهي عن الصلاة في المقبرة بنجاسة التربة خاصة؛ فهو بعيد عن مقصود النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لا يخلو أن يكون القبر قد بنى عليه مسجد، فلا يصلى في هذا المسجد، سواء صلى خلف القبر أو أمامه بغير خلاف في المذهب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) وخص قبور الأنبياء؛ لأن عكوف الناس على قبورهم أعظم، واتخاذها مساجد أشد.

وكذلك إن لم يكن بني عليه مسجد؛ فهذا قد ارتكب حقيقة المفسدة التي كان النهي عن الصلاة عند القبور من أجلها، فإن كل مكان صلي فيه يسمى مسجداً، كما قال صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) وإن كان موضع قبر أو قبرين].

الأئمة يقولون بالنهي عن اتخاذ القبور مساجد، وأن الصواب في منع ذلك ما دلت عليه النصوص، وهو خشية أن تكون العبادة لغير الله جل وعلا؛ لأنه من المعلوم أن الافتتان بالقبر يشتد سيما إذا كان قبر نبي، أو قبر ولي، وهذا هو الواقع.

وأما التعليل بأن النهي عن اتخاذ القبور مساجد؛ لأن ذلك الموضع مظنة للنجاسة فإن هذا تعليل غير صحيح؛ لأن الصلاة في المقبرة لا تجوز سواء صلى على فراش أو صلى من دون فراش فكل ذلك باطل؛ لأن النهي لأجل القبور، ومن المعلوم أن القبور تدفن في أسفل الأرض، وتسوى عليها الأرض، وتأتي الأمطار وتأتي الرياح والشمس وغير ذلك وكل هذا يطهر النجاسة، واستحالة النجاسة يجعلها طاهرة، وهذا كله لو وجد فإن علة النهي باقية.

ثم إنه ليس المقصود أنه لا بد أن تكون على المقابر مساجد مبنية كالمساجد التي يصلي فيها المسلمون، وإنما المقصود أن يسجد الإنسان ويصلي فكل موضع سجود يعد مسجداً.

وقد قال بعض الذين يحادون رسول الله صلى الله عليه وسلم محادة ظاهرة: إن المقصود باتخاذها مساجد أن تضع جبهتك على القبر أما إذا سجدت خلفه أو أمامه أو عن يمينه أو عن شماله فلا بأس! وهذه محادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس المقصود أنه يضع جبهته على القبر، فهذا كذب متعمد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعلوم جرم من يفعل ذلك، والذي يحمله على هذا القول هو التقليد والتعصب فقط، نسأل الله السلامة، والواجب على الإنسان أن يتجرد لله جل وعلا، وأن يكون قصده وعمله لله جل وعلا، وإذا تبين له الحق فيجب عليه أن يقول به وأن يعمل به.