للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عموم النهي عن الصلاة عند القبور ولا فرق بين قلة القبور وكثرتها وقدمها وحداثتها]

ثم إنه لا فرق بين كون القبور كثيرة أو قليلة حتى وإن كان قبراً واحداً، ثم إذا اتخذت مساجد فسواء خصها أو جعل يتردد إليها أو صلى فيها مرة واحدة فكل ذلك سواء.

أما إذا بنيت المساجد على القبور لأجل إقامة صلاة الجماعة فيها والتردد عليها فيجب أن يهدم هذا المسجد؛ لأنه أشد من مسجد الضرار الذي اتخذ لمضارة المسلمين، وهذا لمضارة عباد الله المؤمنين، حيث يدعى فيه إلى الشرك عن طريق التعلق بالموتى، وإذا ما قدر أن المسجد كان مبنياً فأدخل فيه القبر فإنه يجب أن ينبش ويزال، ولا يجوز أن يدفن في المساجد أو بالقرب من المساجد؛ لأن هذا قد يجر إلى التعلق بهم وقصدهم، وقصد هذا المسجد لأنه قرب القبور، والتبرك بها وسؤال أصحابها، أو لأن الدعاء عند القبور ترجى إجابته! وكل هذا من البدع التي هي وسائل إلى الشرك الأكبر.

ولا فرق في كون القبر قديماً أو جديداً، ولا فرق بين كونه مسوى بالأرض أو ظاهراً، فلا يجوز أن يتخذ أي قبر مسجداً لعموم النهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما قال ابن قدامة والنووي: إن مبدأ الشرك من هذا الأمر، ويشير بهذا إلى ما تقدم: أن أول شرك وقع في بني آدم بسبب الغلو في الصالحين، وتصوير صورهم ووضعه في أماكن يرونهم وإذا رأوهم تذكروا عبادتهم واجتهادهم فاجتهدوا كاجتهادهم، ثم فيما بعد عُبدوا، وصاروا يُسألون إلى أن صار التعلق بهم شديداً جداً حيث أصبح بعضهم متمسكاً بعبادتها {وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح:٢٣] ويوصي بعضهم ببعض خوفاً من أن تؤثر دعوة الرسل عليهم! مع أن الرسل جاءوا يدعونهم إلى أن يعبدوا الله وحده، فهذا هو المبدأ، ولهذا السبب جاء النهي.