للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[براءة الشيطان وأتباعه بعضهم من بعض يوم القيامة]

بل ذكر الله جل وعلا أنهم يجتمعون فيلوم بعضهم بعضاً ثم يتبرأ بعضهم من بعض، حتى إن الشيطان يأتي أمامهم في جهنم، يقول مقاتل بن سليمان في تفسيره: إنه ينصب له منبر في النار! فيقوم فيهم خطيباً، فيقول: ((إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ)) يعني: من حجة ((إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي)) يعني: ما هي إلا مجرد دعوة دعوتكم فاستجبتم، وليس عندي سلطان ولا عندي حجة أقيمها عليكم {فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:٢٢] هكذا يقول لهم الشيطان، يقول: ما أنا بمغن عنكم شيئاً، وما أنتم بمغنين عني شيئاً، ما أنا بنافعكم اليوم ولا أنتم تنفعوني، ويقول: إنه يكفر بإجابتهم وبكونهم استجابوا، فيكفر بذلك ويتبرأ منه، وليس هناك أحد يعذر! وإنما يزداد العذاب عليهم لأنهم لا عذر لهم ولا حجة.

وكذلك هؤلاء الذين يعبدون القبور ويدعون أصحابها، ويلتجئون إليهم عند الضر وعند الشدائد أو عند الرغبة التي يرغبون فيها أن يهبوا لهم أولاداً أو أموالاً أو غير ذلك كما هو الواقع، وإذا كان يوم القيامة يقال لهم: اذهبوا إلى أولئك الذين كنتم تدعونهم فليجيروكم من عذاب الله! فيقولون: ربنا ضلوا عنا، يعني ذهبوا عنا فلا نجدهم، وربما كذبوا على أنفسهم، وقالوا: والله ربنا ما كنا مشركين، يكذبون على أنفسهم! وهل يخفى على الله شيء؟ {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:٥ - ٦] يعني: إذا جمعوا جميعاً وقيل لهم: اذهبوا إليهم، تبرءوا منهم وأظهروا لهم العداوة، وقالوا: ما أمرناكم بهذا، ونحن نبرأ إلى الله منكم ومن أعمالكم ونكفر بها وبكم، وصاروا أعداء لهم.

فمن كان هذا سعيه وهذا عمله وهذا رجاؤه، فيبدو له يوم القيامة ما لم يكن يحتسب، وهذه هي المصيبة، ثم تتضاعف الحسرات فتكون حسرات مع عذاب ونكال، نسأل الله العافية.

فليس هناك طريق ينجي إلا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، وكل الطرق تؤدي إلى جهنم إلا الطريق التي تكون خلف المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، فمن سلك هذا الطريق نجا وفاز، أما إذا حاد يميناً أو شمالاً مع الطرق الكثيرة فإن هذه الطرق تؤديه إلى النار، نسأل الله العافية.