للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ظهور الشرك في القرون التي ابتعدت عن عهد النبوة]

حتى جاءت القرون التي ابتعدت عن عهد النبوة ونورها، ووقع فيهم من الضلال والجهل فطمع فيهم الشيطان، وكونه يأتي إلى أحدهم ويقول: اذهب إلى القبر واسأل، ثم قد يلبس عليه فتنة وضلالاً، مثل الحكاية التي تذكر عن البكري مع أنها حكاية لا تصح، أن أعرابياً جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه استنجد به والبكري يسمع، ثم نام، فجاءه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا بكري اذهب إلى الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له.

فتؤخذ هذه الحكاية المكذوبة الواهية وتجعل دليلاً على دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وتترك النصوص التي جاءت في هذا الباب وغيره ويضرب بها جانباً، ويقال: إن هذا رأى رؤيا! وهذه عمدة الذين يعبدون غير الله، عمدتهم الرؤى التي مستندها الشيطان الذي يضحك عليهم، ويزور عليهم، أو عمدتهم أمور مكذوبة عن فلان وفلان، وحكايات ليس لها سند، أو أمور ضعيفة لا تدل على ذلك، فليس عندهم أكثر من هذا، أما النصوص الواضحة الظاهرة الجلية التي إذا تمسك بها الإنسان يكون على يقين من ربه، فهذه لا يلتفتون إليها {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [المائدة:٤١] نسأل الله العافية.

ولهذا يخبر الله جل وعلا عن الذين أراد ضلالهم: أنهم لو أتوا بكل آية ما آمنوا، بل أخبر جل وعلا عن الكفار أنهم إذا كان يوم القيامة يقولون: يا ربنا! ردنا إلى الدنيا حتى نعبدك حقاً، ونتبع رسلك حقاً، فيخبر الله جل وعلا عنهم أنهم لو ردوا لعادوا إلى ما نهوا عنه، فالذي كتب عليه الضلال لا بد من ضلاله، وضلاله عن عمد، وعن اختيار منه، ولهذا تجدهم يسخرون بأهل الحق، ويمقتونهم ويكرهونهم أشد الكراهية، ويرون أنهم سخفاء عقول، وأنهم هم أهل الذكاء وأهل الحكمة وأهل البصر وأهل العقل.

هذا هو واقع حالهم، فإذا تبين للإنسان الحق وتمسك به فهذه منة الله عليه، فعليه أن يشكر الله وأن يكثر من شكره ومن دعوته أن يثبته على ذلك؛ لأنها منةٌ يمن بها على من يشاء، مع أنه جل وعلا يعلم من يستحق الضلالة ومن هو أهل للهداية، فيضع الأمور في مواضعها.