للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خوف الصحابة من الغلو في الصالحين حماية للتوحيد]

قال الشارح: [كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير، وينشأ فيها الصغير، تجري على الناس يتخذونها سنة، إذا غيرت قيل: غيرت السنة! انتهى.

ولخوف الفتنة نهى عمر عن تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن وضاح: سمعت عيسى بن يونس يقول: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعها؛ لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها؛ فخاف عليهم الفتنة].

هي الشجرة التي ذكرها الله جل وعلا في القرآن: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:١٨]، وهذه الشجرة شجرة من السمر وهي في الحديبية، كان الرسول صلى الله عليه وسلم جلس تحت ظلها، فبايع المؤمنين تحتها، وكانت معروفة، فلما كان في زمن عمر رضي الله عنه رأى الناس يذهبون إليها، ويصلون عندها؛ لأنها حصلت عندها بيعة الرضوان، والله ذكرها جل وعلا في كتابه، فيصلون عندها هناك طلباً للبركة، فأمر أن تقطع وتزال.

وعن المعرور بن سويد أنه قال: صليت مع عمر رضي الله عنه قرب مكة في الطريق صلاة الفجر، وقرأ في الركعة الأولى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:١] وقرأ في الركعة الثانية: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} [قريش:١]، فلما سلم رأى الناس يذهبون، فقال: أين يذهب هؤلاء؟ قالوا: يذهبون إلى مساجد صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون فيها، فقال: (أيها الناس! إنما هلك من كان قبلكم بتتبعهم آثار أنبيائهم، من أدركته الصلاة عند هذه المساجد فليصل فيها، ومن لم تدركه الصلاة فليمض) يعني: لا تتحروا الصلاة فيها؛ لأن هذا هو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ما كان يقصد هذه الأماكن بعينها فيصلي فيها، حتى يكون طلبها سنة، ولهذا ما فعل ذلك أحد من الصحابة إلا عبد الله بن عمر، وقد أنكر عليه بقية الصحابة وأنكر عليه والده، ولكن فعل عبد الله بن عمر ليس على ما يظنه هؤلاء أنه لأجل التبرك، بل فعله استناناً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلباً للاقتداء به، وهو معروف بشدة اقتدائه وتتبعه لما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا منه اقتداء به، حتى إنه كان يبول في المكان الذي يبول فيه، ومرة توضأ وبقي من وضوئه شيء من الماء فصبه في وسط شجرة توضأ عندها فكان ابن عمر يفعل هذا.

هل هذا سنة؟ ليس من السنة، ولكن هذا فيه مبالغة في اتباعه للسنة، وهذا الذي أنكر عليه، فكيف بمن يحرص حرصاً شديداً على أن يطلب المكان الذي قيل: إنه جلس فيه، أو إنه صلى فيه، أو إنه نزل فيه، أو ما أشبه ذلك، فيأخذ ترابه ويتبرك به، وربما يأكل التراب طلباً للثواب، وتعظيماً لذلك المكان؟! هذا ليس من دين الإسلام في شيء، بل هذا في الواقع من البدع والضلالات التي هلك فيها من هلك.

والمقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) كل الأرض لك مسجد، إذا أدركتك الصلاة وأنت تمشي فصل في المكان الذي أنت فيه، فهو مسجدك، ولا تذهب تتحرى أماكن معينة، فالمساجد التي تبنى على هذه الآثار من البدع، وهي في الواقع تدل على نقص الدين، وتدل كذلك على عدم التمسك بسنة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه؛ لأنه قد علم مراده بمنع التتبع للأماكن وتعظيمها وتقديسها، فإن هذا قد يكون شركاً، وقد يكون ضلالاً.