للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شدة غضب الله على المشركين]

[الخامسة: ذكر شدة الغضب من الله].

يعني قوله: (اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، والمقصود بهذا أن الله يوصف بالغضب، وغضبه يكون شديداً على بعض الناس، وبعضهم لا يكون شديداً، فمن صفات الفعل التي يتصف بها الله جل وعلا أنه يغضب على بعض خلقه، وإذا غضب جل وعلا فإنه يلعن، وإذا لعن فلعنته تبعد الإنسان كل البعد عن الخير، وقد يكون أثر ذلك في نسل الإنسان؛ ولهذا جاء في أثر -وإن كان لم يثبت ولكن معناه صحيح- أن الله جل وعلا يقول: (إني إذا رضيت باركت وليس لبركتي نهاية، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد) يعني: أثر المعصية يجري على أبناء الإنسان، وأبناء أبنائه، وأبناء أبنائه إلى المرتبة السابعة نسأل الله العافية، وهذا من شؤم ذلك الإنسان.

ومعلوم أن الفساد الذي يقع في الأرض كله بسبب المعاصي، ولو أن الناس أطاعوا الله جل وعلا وامتثلوا أمره لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولصافحتهم الملائكة على الأرض، ولن يحدث لهم شيء يزعجهم أو يؤلمهم أو يخيفهم، ولكن لا بد أن يحصل ما أراده الله جل وعلا من خلقه، وهو جل وعلا خلق الجنة والنار، وجعل لكل واحدة سكاناً، بل جعل لكل واحدة عليه ملؤها، فإنه أخبر جل وعلا أنه سوف يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين {لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود:١١٩]، فهي لا تمتلئ إلا من الناس والجن فقط، هؤلاء هم الذين يسكنونها، فلا بد أن يعملوا المعاصي ويبارزوا ربهم جل وعلا بالعظائم حتى يستحقوا النار؛ لأن الله لا يدخل النار إلا من يستحقها بفعله، بعدما يعذر منه بإرسال الرسل.

وقد أرسل الله جل وعلا إلى هذه الأمة رسولاً بلغهم رسالة الله جل وعلا، وأعلمهم كل ما فيه خير لهم، وحذرهم من كل ما فيه شر لهم، ولكن أكثر الناس يعرض عن دعوته، ولا يبالي بها، ولا يرفع بها رأساً، وكأنه يريد أن يدخل عليه الرسول في بيته ويقول له: افعل كذا، ولا تفعل كذا! ما علم أن الله جل وعلا كلفه أن يطلب ويبحث عن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ويتعرف عليها، وإذا لم يفعل فإنه الملوم، وهو المسئول عن ذلك.