للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، وحكم الإرداف على الدابة]

قال الشارح رحمه الله: [وقوله: (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم) فيه جواز الإرداف على الدابة، وفضيلة معاذ رضي الله عنه.

قوله: (على حمار) في رواية اسمه (عُفير)، قلت: أهداه إليه المقوقس صاحب مصر.

وفيه تواضعه صلى الله عليه وسلم لركوب الحمار والإرداف عليه، خلافا لما عليه أهل الكبر].

بعث صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى ملك مصر -واسمه المقوقس - يأمره بالدخول إلى الإسلام واتباعه، وأرسل الكتاب مع دحية الكلبي، فلما جاءه الكتاب وقرأه لم يسلم وضن بملكه كعادة الملوك، ثم أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدايا منها مارية القبطية التي ولدت لرسول صلى الله عليه وسلم ولداً سماه إبراهيم، ثم لما بلغ ستة أشهر توفي، وحزن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانكسفت الشمس في ذلك اليوم فقال بعض الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم يجر رداءه وقال: (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وإنما هما آيتان يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة)، وأخبر أن له مرضعاً في الجنة تكمل رضاعته، وكذلك أرسل المقوقس للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة وحماراً، فهذا الحمار كان صلوات الله وسلامه عليه يركبه -وكذلك البغلة كان يركبها-، وكان يردف على هذا الحمار، وهذا دليل على تواضعه صلوات الله وسلامه عليه، وأنه ليس من الملوك؛ لأن الملوك يأنفون من ركوب الحمار ويتكبرون على ذلك، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فكان يركبه ويردف عليه، فـ معاذ رضي الله عنه ركب خلفه على هذا الحمار، وسأله هذا السؤال وهو راكب، والذي يركب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون له فضل؛ وذلك لأنه يكون رديفاً له، فهذا وجه قوله: (وفيه فضيلة معاذ) وأيضاً لأنه خصه بهذا العلم.

وقوله: (حق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً، قال: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا)، أي: لأنه إذا سمع الإنسان هذا الكلام فقد يظن أنه بمجرد أن يصلي ويصوم ويتعبد فلا يناله شيء من العقاب.

أي أنه لم يفهمه الفهم الذي ينبغي، فقوله: (لا تبشرهم) أي: لئلا يدعوا العمل ويعتمدوا على رحمه الله جل وعلا.

ولكن هذا لا يكون إلا ممن عنده بعض الجهل، أما الذين يعرفون ويعلمون فإنهم كلما علموا شيئاً من فضل الله ونعمه وإحسانه ازدادوا شكراً وعملاً؛ لأن جزاء الفضل أن يشكر صاحب الفضل، والله جل وعلا لا يستطيع أحد أن يقوم بشكره وبحقه كما ينبغي، فلابد للإنسان أن يكون له شيء من الذنوب وشيء من التقصير أمام الله جل وعلا، ولكن الله عفو كريم يعفو.