للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة دخول بني إسرائيل مصر]

نبينا صلى الله عليه وسلم من ذرية إبراهيم، ولم يبعث رسول بعد إبراهيم إلا من ذريته، كل الرسل الذين بعثوا بعده هم من ذرية إبراهيم، ولكن أكثرهم من أبناء إسحاق، كل رسل بني إسرائيل من ذرية إسحاق، بُدِئوا بموسى وختموا بعيسى، فأول أنبياء بني إسرائيل موسى عليه السلام، وهو الذي خرج بهم من مصر من تعذيب فرعون، وأول دخولهم مصر حينما كاد إخوة يوسف إياه، وألقوه في البئر، ثم جاء ركب من مصر، ووجدوا الغلام في البئر فأخذوه وفرحوا به، ثم ذهبوا به وباعوه في مصر بثمن زهيد، واشتراه عزيز مصر (الوزير).

ثم بعد ذلك مكنه الله جل وعلا، وجعله وزيراً للمالية على ما نتعارف عليه اليوم، وصارت أمور مصر تحت يده بعدما أصابهم ما أصابهم من القحط، وجاء إخوته يبحثون عن الطعام، فعرفهم وهم له منكرون، فسألهم عن حالهم وعن أبيهم وقال: هل لكم من أخ؟ قالوا: نعم، وذكروا عنه ما لا يرضى، وهو أخوه من أمه وأبيه، ولكن أم هؤلاء غير أم يوسف وأم أخيه، فقال لهم: ائتوني بأخيكم من أبيكم حتى أوفي لكم الكيل وأزيدكم، وإن لم تأتوني به فلن يحصل لكم كيل، ثم أمر غلمانه أن يجعلوا الأثمان التي اشتروا بها الطعام في رحالهم، حتى إذا رجعوا وعرفوها لزمهم الرجوع لأداء الحق؛ لأنهم لم يتركوا ذلك.

ثم لما جاءوا جعل المكيال الذي يكيل به في رحل أخيه، ثم أمر مؤذن أن يؤذن: أيتها العير إنكم لسارقون، قالوا: ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين، فقال: ما جزاؤه إذا تبين لنا كذبه؟ قالوا: جزاؤه من وجدت معه السرقة هو لك، فأمر أن يبدأ بتفتيش رحالهم أولاً، ثم استخرجها من رحل أخيه، عند ذلك أصبحوا مستسلمين لهذا الأمر.

ثم بعد هذا لما رجعوا إلى أبيهم قالوا: {إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف:٨١] فقال لهم: لم يسرق ولكن {سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا} [يوسف:١٨]؛ لأنه ظن أنهم فعلوا به كما فعلوا بيوسف لما جاءوا إليه يبكون وقالوا: إن الذئب أكله ولم يصدقهم بذلك وقال: {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:١٨] يعني: أنه أمر دبرتموه على غير ما قلتموه، ويعقوب عليه السلام نبي كريم، وهو ابن إسحاق، ثم أمرهم أن يعودوا ويبحثوا عن يوسف وأخيه، وقال: لا تيأسوا من رحمة الله، فذهبوا ودخلوا على يوسف وهم لا يعرفونه فقالوا: {أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف:٨٨]، فهنا جاءت الفرصة {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} [يوسف:٨٩] عند ذلك تنبهوا {قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:٩٠].

عند ذلك {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:٩١] ماذا قال؟ {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف:٩٢] يعني: لن أعاتبكم، ولن آخذ بثأري، بل أعفو عنكم، وأسأل الله أن يغفر لكم، وهذا هو الكرم والعفو المتناهي، ثم أمرهم أن يذهبوا بقميصه إلى أبيه، فإنهم إذا ألقوه عليه رجع إليه بصره، وقد كف بصره من الحزن، وأمرهم أن يأتوا بأهلهم جميعاً، فجاءوا وسكنوا مصر.

ثم لما جاء فرعون تسلط عليهم، وصار يقتل أبناءهم، ويترك نساءهم.

كان أولاً يقتل كل مولود سواء كان ذكراً أو أنثى من بني إسرائيل، والسبب في هذا أنه قال له الكهنة والسحرة أو غيرهم: إن زوال ملكك سيكون على يد مولود من بني إسرائيل، عند ذلك قال: لن ندع مولوداً يعيش، فصار يقتل، فقالوا له: سيفنى بنو إسرائيل وتتعطل أعمالنا؛ لأنهم كانوا يسخرونهم في الأعمال، في البناء وغيرها مثل ما هو مشاهد الآن من الأهرام وغيرها من آثار فرعون، يعملون تحت السياط، حملهم على العمل بالتعسف والظلم، كحمل الصخور حتى يبنوا بالقهر والقوة، فعند ذلك قال له أعوانه الظلمة: تتعطل أعمالنا، قال: ما الحيلة؟ فقالوا: تقتلهم سنة، وتبقيهم سنة، حتى نستطيع أن نشغلهم في الأعمال، فولد موسى عليه السلام في السنة التي فيها القتل، أما هارون فولد في السنة التي لا يقتل فيها المواليد.

والمقصود أن كل رسل بني إسرائيل من أولاد يعقوب بن إسحاق، ويعقوب هو إسرائيل الذي ذكر في القرآن كثيراً: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة:٤٠]، ويعقوب أولاده إثنا عشر ثم كثر نسلهم وانتشروا، قيل: إنهم لما خرجوا من مصر كانوا سبعين ألفاً، والواقع أنهم أكثر من سبعين ألفاً، وكلهم أولاد يعقوب، وهو إسرائيل النبي الكريم.

لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: (من أكرم الناس؟ قال: يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم -يعني يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم- فقيل له: ليس عن هذا نسألك، فقال: تسألوني عن معادن العرب، خيركم في الجاهلية خيركم في الإسلام إذا فقهوا).

فالمقصود: أن إسرائيل نبي كريم؛ ولهذا ما يجوز أن نسمي شذاذ الخلق وخبثاءهم اليوم من اليهود إسرائيل، الناس اليوم يسمونهم دولة إسرائيل، والواجب أن يسموا اليهود؛ لأن إسرائيل نبي، والنبي بريء من كل من خالف نهجه وطريقته، وإن كان من أولاده، وإن كان من أبنائه، فالنسب لا يفيد شيئاً، وإنما يفيد العمل.

والمقصود: أن نسب رسولنا صلى الله عليه وسلم ينتهي إلى إبراهيم بلا إشكال، وهذا أمر يجب القطع به، وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث أنه صلوات الله وسلامه عليه ابن إسماعيل، وإسماعيل لم يبعث نبي من ذريته إلا محمد صلوات الله وسلامه عليه، بخلاف إسحاق فإن جميع الأنبياء من أولاده.

أما ما ذكر أن خالد بن سنان نبي من العرب، وأن قومه هم أصحاب الرس؛ فهذا لم يثبت، وجاءت فيه أحاديث الله أعلم بها، وجاء أنه نبي ضيعه قومه، وإذا صحت الأحاديث وجب اعتقاد ذلك، ولكن لم تثبت الأحاديث.