للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل سورة البقرة]

قال المصنف: [وفي الصحيحين عن ابن عمر مرفوعاً: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً) وفي صحيح مسلم عن ابن عمر مرفوعاً: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة)].

خص سورة البقرة لما فيها من الأحكام والآيات والصفات العظيمة، ولأنها أطول سورة في المصحف، فهي (٢٨٦) آية، مع أن فيها آيات طويلة، فأطول آية في القرآن فيها، وأعظم آية في القرآن فيها، وفيها ألف أمر، وألف نهي، وفيها أشياء عظيمة جداً؛ ولهذا كان الصحابة يعظمونها، وإذا كانوا في معركة حامية وحصل ارتباك صار ينادي بعضهم بعضاً: يا أهل سورة البقرة! يا أهل سورة البقرة! يذكر بعضهم بعضاً بهذه السورة العظيمة، فلهذا الشيطان يفر منها.

وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن المسلمين جمعوا صدقة الفطر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت عادتهم أن يجمعوا الصدقة عند الرسول صلى الله عليه وسلم فيفرقها، فجمعت في المسجد، لا يوجد خزائن وأبواب ووزراء، فجعل أبا هريرة حارساً لها، وهي تمر، ومعروف أن أهل المدينة أكثر طعامهم التمر، فاجتمع كوم من التمر من صدقة الفطر، فأمر أبا هريرة أن يحرسها في الليل، وبينما هو يحرس جاء رجل فصار يحثو من التمر في حجره فأمسكه، فقال: ما لك؟ لأرفعنك إلى رسول صلى الله عليه وسلم، فقال: دعني، والله! إني فقير، وعندي عيال، والصدقة هذه للفقراء، قال: فرحمته، وتركته، وذهب.

وفي الليلة الثانية أتى فصار يحثو فقلت: هذه ثاني ليلة تأتي! فقال: دعني فإني فقير وعندي عيال، وأنا ذو حاجة، قال: فرحمته وتركته، ولما غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما فعل أسيرك يا أبا هريرة؟ فقلت: يا رسول الله! زعم أنه ذو حاجة وأنه فقير وعليه عيال فرحمته وتركته، فقال: أما إنه سيعود، قال: فعلمت أنه سيعود، فجاء وصار يحثو فأمسكته وقلت: هذه ثالث ليلة، والله! لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دعني أنا فقير وذو عيال، ودعني أعلمك شيئاً ينفعك الله به، وكانوا أحرص شيء على الخير، فقال: نعم، قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لا يقربك شيطان، ولا يزال عليك من الله حافظ حتى تصبح، قال: فلما غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما صنع أسيرك يا أبا هريرة؟ فقلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني شيئاً ينفعني فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنه لا يقربك شيطان، ولا يزال عليك من الله حافظ حتى تصبح، فقال: (صدقك وهو كذوب، أتدري من تخاطب منذ ثلاث؟ قلت: لا، يا رسول الله! قال: ذلك الشيطان)، لماذا أتى الشيطان يأخذ تمراً؟ لم يستطع أن ينقص الصحابة بشيء من أديانهم، فهذه آخر حيلة له، يريد أن ينقصهم من التمر فقط، وهذا أمر سهل، وكيده أضعف الكيد، والمقصود قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (صدقك وهو كذوب) يعني: أن الإنسان إذا أوى إلى فراشه وقرأ آية الكرسي فإنه لا يقربه شيطان تلك الليلة، ولا يزال عليه من الله حافظ حتى يصبح، وهذا أمر سهل، وآية الكرسي في سورة البقرة، فكيف بالذي يقرؤها كلها؟ جاء في بعض الآثار: من قرأ عشر آيات من سورة البقرة فإن الله يحفظه من كل سوء، وإذا مات مات مغفوراً له، والعشر الآيات ثلاث من أولها، وواحدة من وسطها: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٦٣]، وآية الكرسي وآيتان بعدها، وثلاث من آخرها: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة:٢٨٤]، وبعدها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة:٢٨٥] وقد صح أن (من قرأ الآيتين الأخيرتين منها في ليلته كفتاه)، من قرأ: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:٢٨٥] حتى يختم السورة في ليلة كفتاه، قيل: كفتاه عن قيام الليل، والصواب أن معنى (كفتاه) أي: أن الله يحفظه بهاتين الآيتين.

وفضائل سورة البقرة كثيرة جداً، وهذا يدلنا دلالة واضحة على أن كلام الله يتفاضل، فبعضه أفضل من بعض، وهذا الذي عليه أئمة السلف، أن كلام الله بعضه أفضل من بعض، وكذلك صفاته جل وعلا، وأسماؤه كذلك بعضها أفضل من بعض، حسب ما تدل عليه من المعاني والجوامع، فالحي القيوم يجمع معاني الأسماء كلها، الحي يجمع معاني أسماء الذات كلها، والقيوم يجمع معاني أسماء الأفعال كلها، وهما في سورة البقرة.