للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صحة حديث علي بن الحسين في النهي عن الدعاء عند القبر]

قال الشارح رحمه الله: [قال: هذا الحديث والذي قبله جيدان حسنا الإسنادين.

أما الأول: فرواه أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن نافع الصائغ قال: أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فذكره، ورواته ثقات مشاهير لكن عبد الله بن نافع قال فيه أبو حاتم: ليس بالحافظ، تعرف وتنكر، وقال ابن معين: هو ثقة، وقال أبو زرعة: لا بأس به، قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومثل هذا إذا كان للحديث شواهد علم أنه محفوظ، وهذا له شواهد متعددة، وقال الحافظ محمد بن عبد الهادي: هو حديث حسن جيد الإسناد، وله شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحة.

وأما الحديث الثاني: فرواه أبو يعلى والقاضي إسماعيل والحافظ الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي في المختارة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت الذين لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب النسب وقرب الدار؛ لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم فكانوا له أضبط.

انتهى.

وقال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني سهيل بن أبي سهل قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة رضي الله عنها يتعشى فقال: هلم إلى العشاء فقلت: لا أريده فقال: ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا دخلت المسجد فسلم ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتخذوا قبري عيداً، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم، لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ما أنتم ومن في الأندلس إلا سواء.

وقال سعيد أيضاً: حدثنا حبان بن علي حدثنا محمد عجلان عن أبي سعيد مولى المهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني) قال شيخ الإسلام: فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين يدلان على ثبوت الحديث، لا سيما وقد احتج به من أرسله، وذلك يقتضي ثبوته عنده، هذا لو لم يرو من وجوه مسندة غير هذين فكيف وقد تقدم مسنداً].

في هذين الحديثين دليل على أن قصد القبر للسلام غير مشروع، وإنما المشروع قصد المسجد، وفيه كذلك أن علي بن الحسين والحسن بن الحسن أخبرا أن هذا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا قبري عيداً)، فاستدلا به على المنع من قصد القبر؛ ولهذا قال: لا تفعل، يعني: لا تأت إلى القبر للسلام، وهذا لم يكن الصحابة يفعلونه، قال عبيد الله بن عمر عن نافع أن ابن عمر كان إذا أتى من السفر جاء إلى المسجد فصلى ركعتين، ثم جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، ثم قال: السلام عليك يا أبا بكر، ثم قال: السلام عليك يا أبتي، ثم ينصرف، يقول عبيد الله بن عمر: ولم أعلم أحداً من الصحابة كان يفعل ذلك غير ابن عمر.

فمن فعل مثل هذا اقتداء بـ عبد الله بن عمر فلا بأس إذا قدم من سفر، أما أن يقصد القبر للسلام فقط فهذا داخل في النهي.

وكذلك يدل الحديث على أن الإنسان إذا جاء إلى المسجد النبوي ليصلي فلا يشرع له أن يذهب ويسلم؛ لأنه قال: لا تفعل، وفهموا أن هذا داخل في قوله: (لا تتخذوا قبري عيداً)؛ ولهذا ما كان أحد من الصحابة يفعل ذلك، ومعلوم أنه لو كان ذلك خيراً لسبقونا إليه؛ لأنهم أولى الناس بفعل الخير، وأبعد الناس عن فعل البدع والباطل.

وكذلك فيه دليل على أنه لا يقصد القبر للدعاء عنده؛ ولهذا أنكر مالك رحمه الله على أهل المدينة أنهم إذا دخلوا المسجد يقصدون القبر للسلام وللدعاء، وقال: لم يكن أحد من السلف يفعل ذلك، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.