للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من سلم على قبر النبي فليتجه إلى القبر ولا يدعو عنده]

وردت حكاية عن مالك أن المنصور سأله: إذا أردت أن أدعو فهل أتوجه إلى القبر أو أتوجه إلى القبلة؟ فقال: لا تصرف وجهك عن وسيلتك ووسيلة آبائك، اتجه إلى القبر واستشفع به، فإنك تشفع في ذلك، فهذه حكاية موضوعة على الإمام مالك، وفيها من هو متهم بالكذب، مثل محمد بن حميد فإنه كذاب، وكذلك في سندها من لا يعرف، ومثل هذا لا يقوله الإمام مالك وقد صح عنه ما سبق، وكان من أعظم الناس تمسكاً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أشد الناس كراهية للبدع، وبغضاً لها ونهياً عنها.

ثم إنه يجب على الإنسان أن يكون عمله متقيداً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يرد عمله، فإذا لم يكن العمل مقيداً بالسنة فإنه مردود؛ لأن العلماء اتفقوا على أن الدين الإسلامي مبني على أصلين عظيمين: أحدهما: أن يكون الدين كله خالصاً لوجه الله، لا يراد به غير الله.

والثاني: أن تكون العبادة قد جاءت بالنص، جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فمعنى شهادة أن لا إله إلا الله: أنه لا يأله ولا يعبد إلا الله وحده، ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: أنه رسول جاء من عند الله، وأنه لا يعبد الله إلا بما جاء به هذا الرسول صلوات الله وسلامه عليه.

وليس الأمر مطلقاً لكل من أراد أن يفعل شيئاً فعله أو استحسن شيئاً سلكه، وإذا رأى أحداً يفعل شيئاً مخطئاً سواء عن حسن قصد أو عن غيره فإنه لا يجوز له الاقتداء به.

وهذه المسألة الأخيرة وهي كونه لا يقصد القبر للدعاء؛ يقول عنها شيخ الإسلام ابن تيمية: ما أعلم فيها خلافاً بين السلف، يعني: أنها محل إجماع، لا أعلم فيها خلافاً بين السلف، هكذا يقول، وهذا يدل على أنها من البدع التي جاء به الخلوف.

وأما ما يذكر في كتب الفقه وغيرها من ذكر خلاف في المسألة، وبعضهم قد يرفع هذا الخلاف إلى بعض علماء السلف، أنه إذا سلم هل يدعو ويتجه إلى القبر أو يتجه إلى القبلة، فهذا لا يدل أن هذا محل دعاء، بل من قصد هذا المكان للدعاء فقد ابتدع وجاء بخلاف النص الذي نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا، وجعله من الذرائع التي يدخل منها الشيطان إلى الإنسان لإفساد عبادته، فمثل هذا يدخل في قاعدة: سد الذرائع، وحماية المصطفى صلى الله عليه وسلم لجناب التوحيد.