للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النهي عن قصد القبور لأجل الدعاء والصلاة عندها]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة بضم الفاء وسكون الراء، وهي الكوة في الجدار والخوخة ونحوهما.

قوله: فيدخل فيها فيدعو فنهاه، هذا يدل على النهي عن قصد القبور والمشاهد لأجل الدعاء والصلاة عندها].

ينهى عنه مطلقاً، ويدخل في ذلك قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا استدل به من استدل على المنع من ذلك، لقوله: لا تفعل، يعني: تأتي للسلام والدعاء، فإن هذا داخل في قوله: لا تتخذوا قبري عيداً.

قال الشارح رحمه الله: [قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ما علمت أحداً رخص فيه لأن ذلك نوع من اتخاذه عيداً، ويدل أيضاً على أن قصد القبر للسلام إذا دخل المسجد ليصلي منهي عنه؛ لأن ذلك لم يشرع، وكره مالك لأهل المدينة كلما دخل الإنسان المسجد أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك] ومن ذلك أيضاً التوجه إليه وهو في مكانه إذا دخل أو إذا أراد أن ينصرف، فبعضهم يتجه إلى القبر ويسلم، فإن هذا من البدع أيضاً، وكل بدعة ضلالة.

قال الشارح رحمه الله: [ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.

وكان الصحابة والتابعون رضي الله عنهم يأتون إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيصلون، فإذا قضوا الصلاة قعدوا أو خرجوا، ولم يكونوا يأتون القبر للسلام، لعلمهم أن الصلاة والسلام عليه في الصلاة أكمل وأفضل، وأما دخولهم عند قبره للصلاة والسلام عليه هناك أو للصلاة والدعاء فلم يشرعه لهم بل نهاهم عنه في قوله: (لا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني) فبين أن الصلاة تصل إليه من بعد وكذلك السلام، ولعن من اتخذ قبور الأنبياء مساجد، وكانت الحجرة في زمانهم يدخل إليها من الباب].

يعني: أنهم يتمكنون من الوصول إلى القبر ولا يفعلون ذلك؛ لأنهم ممتثلون لقوله صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم الناس بمراده صلوات الله وسلامه عليه، ولم يكن الشيطان يطمع فيهم بأن يصدهم عما جاء به نبيهم صلى الله عليه وسلم كما طمع في بعض المتأخرين، وربما جاءهم في صورة ظاهرة؛ ولهذا يذكر من الحكايات الباطلة التي لا يجوز أن يعتمد عليها أشياء من هذا النوع، مثل أن فلاناً أتى فسلم وتكلم ودعا فخرجت يد من القبر وصافحته! وما أشبه ذلك من الحكايات التي إما أن تكون مكذوبة، أو تكون من الشيطان ليصد الناس عن الحق، فهذه لا يجوز أن تكون قاضية على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى سيرته ودعوته التي امتثلها صحابته؛ ولهذا ما حدث شيء من ذلك في زمن الصحابة، ولا كان أحد منهم يفكر أن يأتي إلى القبر يدعو أو يسأل صاحب القبر صلوات الله وسلامه عليه عن قضية من القضايا، أو عن حديث من الأحاديث أو ما أشبه ذلك؛ لأن الشيطان لم يطمع فيهم.

بخلاف من أتى بعدهم فقد طمع وأدرك منهم بعض الأشياء، وهذا أيضاً يحدث عند القبور الأخرى، كثير منهم يذكر أنه إذا جاء إلى القبر الذي يعتقد في صاحبه يقول: إنه يخرج صاحب القبر ويكلمه ويقضي حوائجه ويساعده في أشياء، والواقع أن الشيطان يتصور في صورة هذا المقبور، فيتمثل له ليفتنه؛ لأنهم يتعلقون بالمقبورين، وهذا هو سبب عبادة القبور، والسبب الذي دعا الناس إلى الاتجاه للقبور هو مثل هذه الأمور؛ ولذا نهى المصطفى صلوات الله وسلامه عليه عن قصد القبور خوفاً أن يقع مثل هذه الأشياء.

قال الشارح رحمه الله: [قال: وكانت الحجرة في زمانهم يدخل إليها من الباب إذ كانت عائشة رضي الله عنها فيها، وبعد ذلك إلى أن بني الحائط الآخر، وهم مع ذلك التمكن من الوصول إلى قبره لا يدخلون عليه، لا للسلام ولا للصلاة، ولا للدعاء لأنفسهم، ولا لغيرهم، ولا لسؤال عن حديث أو علم، ولا كان الشيطان يطمع فيهم حتى يسمعهم كلاماً أو سلاماً فيظنون أنه هو كلمهم، وأفتاهم، وبين لهم الأحاديث، أو أنه قد رد عليهم السلام بصوت يسمع من خارج كما طمع الشيطان في غيرهم فأضلهم عند قبره وقبر غيره، حتى ظنوا أن صاحب القبر يأمرهم وينهاهم ويفتيهم ويحدثهم في الظاهر، وأنه يخرج من القبر، ويرونه خارجاً من القبر، ويظنون أن نفس أبدان الموتى خرجت تكلمهم، وأن روح الميت تجسدت لهم فرأوها كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج.

والمقصود: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يعتادون الصلاة والسلام عليه عند قبره كما يفعله من بعدهم من الخلوف، وإنما كان بعضهم يأتي من خارج فيسلم عليه إذا قدم من سفر كما كان ابن عمر يفعله].

هذا لم يرد إلا عن ابن عمر فقط كما قال عبيد الله بن عمر: ما أعلم أحداً من الصحابة فعل ذلك غير عبد الله بن عمر.

قال الشارح رحمه الله: [قال عبيد الله بن عمر عن نافع: كان ابن عمر إذا قدم من سفر أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله! السلام عليك يا أبا بكر! السلام عليك يا أبتاه! ثم ينصرف.

قال عبيد الله: ما نعلم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك إلا ابن عمر، وهذا يدل على أنه لا يقف عند القبر للدعاء إذا سلم كما يفعله كثير.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: لأن ذلك لم ينقل عن أحد من الصحابة فكان بدعة محضة، وفي المبسوط: قال مالك: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يسلم ويمضي، ونص أحمد أنه يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره لئلا يستدبره].

يعني عند السلام، ولكن الصواب إذا أراد أن يسلم يتجه إليه، ويسلم عليه، أما الدعاء فلا، وليس هذا مكاناً للدعاء، ولا ينبغي أن يقصد للدعاء، فإن هذا كما قال شيخ الإسلام بدعة.