للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خصومة الأنبياء مع أممهم كانت من أجل التوحيد]

قال الشارح رحمه الله: [وقوله: (ولا يشركوا به شيئاً) أي: يوحدوه بالعبادة.

فلابد من التجرد من الشرك في العبادة، ومن لم يتجرد من الشرك لم يكن آتياً بعبادة الله وحده، بل هو مشرك قد جعل لله نداً، وهذا معنى قول المصنف رحمه الله: (وفيه أن العبادة هي التوحيد؛ لأن الخصومة فيه).

وفى بعض الآثار الإلهية: (إني والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويُشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلى صاعد، أتحبب إليهم بالنعم ويتبغضون إلي بالمعاصي)].

(فلابد من التجرد من الشرك في العبادة) المقصود به نفي الشرك.

وقوله: (لأن الخصومة فيه) مقصوده بالخصومة: الخصومة بين الأنبياء وأممهم التي وقعت].

يعني أن مجادلة الرسل مع أممهم كانت في العبادة، ولم تكن في أمور أخرى، وإنما كان كل رسول يقول لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩]، ومعنى (اعبدوه): وحدوه، واجعلوا أفعالكم التي تتقربون بها لله وحده فقط؛ إذ ليس معه أحد شريك، وكل الرسل قالوا هذا، والأمم فهمت ذلك منهم، ولهذا كانوا يقولون: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [الأعراف:٧٠]، فالذي منعهم من اتباع ما قالته الرسل هو ما وجدوا عليه آباءهم من عبادة غير الله، من عبادة الأصنام والأشجار وما تصنعه أيديهم والأموات والكواكب وغيرها، وما كانوا يعبدونها وحدها، بل كانوا يعبدون الله ولكن يجعلون معه في العبادة غيره، وكان كفار قريش أيام الحج يقولون في تلبيتهم: (لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك)، وهم يعلمون أن كل شيء بيد الله ملك لله جل وعلا، وأبوا أن يتركوا هذا الشرك وأن يخلصوا الدين لله وحده؛ لأن آباءهم مضوا على هذا، فهم يعظمون آباءهم، كما قال الله عنهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف:٢٢] يعني: على ملة، {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:٢٢] يعني: سالكون آثارهم فقط، ولا يريدون أن يتركوا ما وجدوا عليه آباءهم، فهذا الذي منعهم من اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا القول تقوله كل أمه لرسولها، حتى الكبراء والعظماء، كما قال فرعون لموسى: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى} [طه:٥١]، يعني: لماذا كانوا يعبدون غير الله مع الله؟ يحتج على موسى بما مضى من الناس، ويقول: إن هذه طريقة كل الناس سلكوها.

وكثير من الناس اليوم إذا أمرته بأمر من أمر الله أو أمر رسوله يقول: الناس كلهم يفعلون كذا، أو كل الناس لا يفعلون هذا، فنفس الطريقة التي قالها الكفار القدامى قالها المتأخرون، وسواء يقولها من لا يريد أن يعبد الله وحده أصلاً، أو يقولها العاصي من المسلمين ليحتج بها إذا أمر بأمر من الأمور التي هي من أمر الله وأمر رسوله، فإذا أمر بما يخالف العادة التي وجد الناس عليها يقول: الناس كلهم يفعلون هذا، وهي سنة متبعة، وما أشبه ذلك.