للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدجالون في هذه الأمة]

قوله: (وإنه سيكون في هذه الأمة ثلاثون كذابون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي) المقصود بالثلاثين الذين يكون لهم قوة وأتباع ودعوة، وإلا فلو تتبع من ادعى النبوة لبلغوا آلافاً وليس ثلاثين، ولكن بعضهم يكون مريضاً، وبعضهم يصاب بشبه جنون فيدعي النبوة، ولكن المقصود الذين صار لهم سلطة، وصار لهم أتباع وقوة مثل: الأسود العنسي الذي خرج في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فقتل قبل موته صلوات الله وسلامه عليه، وقد جاء إليه أبو مسلم الخولاني فقال له: أتشهد أني نبي؟ قال: لا أسمع، قال: أتشهد أن محمداً نبي؟ قال: نعم، فأمر أن يلقى في نار، فلم تضره النار، فخرج منها كأن لم يكن هناك نار! وهو من التابعين وليس من الصحابة، ولما قدم على عمر رضي الله عنه في خلافته قال: الحمد لله الذي جعل في أمة محمد مثل إبراهيم الخليل، ألقي في النار فلم تضره، ثم سلط الله جل وعلا على الأسود رجلاً من أهله فقتله.

وكذلك مسيلمة الكذاب، خرج وصار له أتباع وصار له قوة، وحصلت معركة هائلة بينه وبين الصحابة، قتل فيها من حفظة القرآن سبعون قارئاً، وكان هذا هو السبب في جمع أبي بكر للقرآن؛ خوفاً أن يكثر القتل في القراء فيذهب شيء منه، فجمعوه وكتبوه في الصحف.

وكذلك خرج طليحة الأسدي في بني أسد، وزعم أنه نبي وتبعته قبيلته، وصار قتال بينه وبين الصحابة فانهزم، ثم بعد ذلك تاب، وقتل شهيداً في وقعة نهاوند.

وبعد ذلك خرج المختار بن أبي عبيد الثقفي، خرج في البصرة وفي الكوفة، فأول أمره خرج نصرة للحسين رضي الله عنه، ففرح الناس به، وتبعه خلق على ذلك، وتتبع قتلة الحسين فقتل أكثرهم، ثم بعد ذلك زعم أنه نبي، وأن جبريل يأتيه ويكلمه، فقاتله مصعب بن الزبير حتى قتله.

ثم كذلك الحارث في زمن عبد الملك خرج وصار له أتباع فقتل.

ثم تتابعوا إلى أن جاء القادياني الخبيث الذي ادعى أنه نبي، وله أتباع إلى اليوم في أنحاء الأرض، ولهم دعوة، وما يقرب من أربعين مجلة يصدرونها دعوة لدينهم، وعندهم أموال، وعندهم دعاة، ويفسرون القرآن على حسب رأيهم، ويعتقدون أن سيدهم نبي، ولا يشك مسلم أن هذه ردة وكفر وتكذيب بالقرآن.

ثم لا ينتهي الأمر، فيكون آخر من يدعي النبوة الكذاب الأكبر الدجال الذي حذرنا النبي عليه الصلاة والسلام منه، ومن الأمور العجيبة التي تدل على استهانة الكذابين بأمر الله، والضحك على الناس في أديانهم أن رجلاً خبيثاً خرج وسمى نفسه (لا) قال: أنا لا، ثم بعد ذلك ادعى النبوة، وقال: قد أخبر عني الرسول فقال: (لا نبي بعدي)! ونظير ذلك أن امرأة خرجت وادعت النبوة، فلما قيل لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أنه لا نبي بعده، والله جل وعلا يقول: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:٤٠] قالت: ولكنه لم يقل: لا نبية بعدي، أنا نبية، وهو أخبر أنه لا يكون بعده نبي، سخافات واستهانة بعقول الناس وأديانهم إلى هذا الحد! وليس معنى هذا كما يقول بعض الأدباء: هذه من الطرائف، هذه ما هي طرائف، هذا كفر واستهانة بأمر الله جل وعلا وبدينه وبأديان الناس وعقولهم وأفكارهم، وهذا العدد الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم المقصود به من يأتي ويظهر ويكون له قوة.

والمسيح الدجال سيكون هو آخر الكذابين، وهو أعظم الكذابين لماذا؟ لأنه أول ما يخرج يزعم أنه مصلح، وأنه يريد أن يقضي على الظلم والظلمة، فإذا تمكن من ذلك ادعى النبوة، وقال: أنا نبي، فيتركه كثير ممن كان يتبعه، ولكن من يفتن به أكثر، ثم بعد ذلك يتمادى به الأمر ويقول: أنا رب العالمين، ويكون عنده كثير من الفتن والأمور العظيمة حتى إنه يقول للأرض: أنبتي، ويقول للسماء: أمطري، فيحصل ذلك، ويأتيه الرجل ويقول له: إذا أحييت أباك وأمك أتؤمن بأني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان: واحد بصورة أمه، والآخر بصورة أبيه، فيقولان له: يا بني! آمن به فإنه ربك؛ ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سمعتم به فانئوا عنه، فإن الرجل يأتيه واثقاً من نفسه فلا يزال حتى يتبعه)، بسبب الفتن التي يرى، حتى يكون متبعاً له، وهو رجل من بني آدم، وعينه اليمنى عوراء مطموسة كأنها عنبة طافية، ومكتوب على جبهته كافر، ولكن هذا يقرؤه المؤمنون، وأكثر الناس لا يقرءونه، فهو يأتي بفتن عظيمة يمر على القوم ويردون دعوته فيمحلون، ويمر على القوم فيؤمنون به، فتغدق عليهم الدنيا، ولشدة فتنته أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ من فتنته في كل صلاة، وأخبر أن كل نبي حذر أمته من المسيح الدجال، وأنه خارج في هذه الأمة ولا محالة؛ لأنه ليس بعد هذه الأمة أمة.

ونزول عيسى عليه السلام لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: (لا نبي بعدي)؛ لأن عيسى وإن كان رسولاً فإنه ينزل حاكماً بهذا الشرع، فهو من هذه الأمة، بل هو أفضل هذه الأمة على الإطلاق، وقد صحت الأحاديث وتواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سينزل فيكم ابن مريم ويضع الجزية، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير) يعني أنه لا يقبل إلا الإسلام، وهو الذي يقتل الدجال.

وقوله: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك)، فيه بشارة أن الحق لا يزول ولا يضمحل، بل لا بد أن تبقى أمة تقاتل على الحق، وتدعو إليه ولا يضرهم المخالف ولا الخاذل، الخاذل يكون منهم على دينهم وعلى ملتهم ولكنه يخذلهم، بمعنى أنه لا يساعدهم ولا يناصرهم، أما المخالف فليس على نهجهم، ولا يضرهم لا هذا ولا هذا، وقوله: (حتى يأتي أمر الله) لا يخالف ما جاء في صحيح مسلم أنها: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق)، وفي رواية: (حتى لا يقال في الأرض: الله الله) يعني أنه لا يذكر الله أصلاً، شرار الناس هم الذين يبنون على القبور والذين تدركهم الساعة وهم أحياء؛ ولهذا لما روى عبد الله بن عمرو كما في الصحيح حديث: (تأتي ريح فتقبض روح كل من في قلبه إيمان، فيبقى الناس يتهارجون تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة، فقال له أحد الصحابة: اعلم ما تقول! أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة)، فقال له: إن قيام الساعة المقصود به ساعتك، يعني: هذه الريح، وهذا هوالصواب، فليس في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منافاة.