للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حديث: (يتقارب الزمان)]

قال الشارح: [(وروى في سننه أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتقارب الزمان، وينقص العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج، قيل: يا رسول الله! أيه هو؟ قال: القتل القتل)].

يعني: في الهرج بأنه القتل، يكثر الهرج، أي: القتل يزداد، وكلما تأخرت الأزمان ازداد ولكنه يكون في جهة، ويكون في جهات متعددة، ويخف مرة هنا، ويكثر هنا، كما هو الواقع، ولا تخلو الأرض من قتال دائماً، وبعض القتال قد يكون في حق، وبعضه يكون بين أهل الحق والباطل، بين الكفر والإيمان، ولكن لا بد أن يكثر، والمصيبة أنه في آخر الزمان يقتل الإنسان الآخر وهو لا يدري في أي شيء قتل، ويأتي الإنسان إلى القبر ويتمرغ فيه ويقول: ليتني مكان صاحبه، ليس به الدين، يعني: ليس ذلك من الدين، بل من كثرة الفتن التي يراها ويشاهدها، فيختار أن يموت ولا يكون حياً.

قال الشارح: [قوله: (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) أي: الأمراء والعلماء والعباد، فيحكمون فيهم بغير علم فيضلونهم كما قال تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب:٦٧] وكان بعض هؤلاء يقول لأصحابه: من كان له حاجة فليأت إلى قبري فإني أقضيها له، ولا خير في رجل يحجبه عن أصحابه ذراع من تراب ونحو هذا].

هذا ذكره الشعراني في طبقاته عن أحد ساداته، يعني: شيوخه، يقول: إنه لما حضره الموت -وهذه مصيبة في الواقع- قال لأصحابه: يا أصحابي! إذا كان لأحدكم حاجة فليأت إلى قبري، وليستغث بي، ويطلب مني الحاجة فإنه لا خير في إنسان يحول بينه وبين أصحابه وقضاء حوائجهم ذراع من تراب.

وهذا شبه الجنون، ليس جهلاً فقط، وذكر عن آخر ويسميه سيداً، وهو من الصوفية الهالكين الذين يدعون إلى عبادة غير الله، وعندهم سخافة العقل، بل عندهم الجنون الذين يخرجون به عن حد التكليف، يذكر عنه أنه قال: إذا كان يوم القيامة أنصب على جهنم خيمتي، فلا أدع إنسان يدخلها من العارفين بي والمحبين! كيف يكتب هذا في الكتب وينشر على الناس؟ كيف يطبع في المطابع مثل هذه السخافات؟ ومع ذلك يزعم أن هذه كرامة، سخافة إلى النهاية، جهل الجاهلية الأولى ما وصل إلى هذا الحد، جهل أبي جهل ما وصل إلى هذا الحد ولا قريب منه، ومع ذلك يزعمون أن هؤلاء أولياء، وصدقوا فإنهم أولياء ولكن لمن؟ للشيطان، أولياء للشيطان، فإنهم أصبحوا دعاة الشيطان، يدعون إليه، ويضلون كثيراً من خلق الله جل وعلا.

قال الشارح: [وهذا هو الضلال البعيد، يدعو أصحابه إلى أن يعبدوه من دون الله، ويسألوه ما لا يقدر عليه من قضاء حاجاتهم وتفريج كرباتها وقد قال تعالى: {يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ * يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} [الحج:١٢ - ١٣]، وقال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا} [الفرقان:٣]، وقال تعالى: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت:١٧]، وأمثال هذا في القرآن كثير، يبين الله تعالى به الهدى من الضلال.

ومن هذا الضرب: من يدعي أنه يصل مع الله إلى حال تسقط فيها عنه التكاليف، ويدعي أن الأولياء يدعون ويستغاث بهم في حياتهم ومماتهم، وأنهم ينفعون ويضرون ويدبرون الأمور على سبيل الكرامة، وأنه يطلع على اللوح المحفوظ، ويعلم أسرار الناس وما في ضمائرهم، ويجوز بناء المساجد على قبور الأنبياء والصالحين، وإيقادها بالسرج ونحو ذلك من الغلو والإفراط والعبادة لغير الله، فما أكثر هذا الهذيان والكفر والمحادة لله ولكتابه ولرسوله].

ولكن مع الأسف هو هذيان وكفر ومحادة لله ورسوله، ولكن صار له نتائج، فأصبح ما تجده في غالب بلاد المسلمين من هذه المساجد المبنية على القبور، وهذه القبور تقصد للتبرك، وسؤال أصحابها، ودعائهم، والنذر لهم، وهذا جهل فضيع، وهذيان، وكفر، ومحادة لله، والسبب في هذا -ما ذكر في هذا الحديث- الأئمة المضلون، والذين أضلوهم أشباه العلماء، يقال: إنهم علماء، وربما يكون معهم شهادات، ويفتي بعضهم بالمذاهب الأربعة، إذا جاءته مسألة من مسائل الفقه تجده يقول: مذهب الشافعي كذا، ومذهب مالك كذا، ومذهب أبي حنيفة كذا، ومذهب الإمام أحمد كذا، وهو مع ذلك يدعو إلى عبادة القبور! جهل حق الله، وعرف أشياء دقيقة.

وتجده أيضاً يؤلف الكتب، ويذكر الدقائق، ويفسر القرآن ويشرح الحديث في مجلدات، وهو لا يعرف الإخلاص ما هو، ولا يعرف العبادة ما هي، ولا يعرف معنى لا إله إلا الله، فصار من الأئمة المضلين بهذا الفعل، وأكثر ما وقع الضلال بسبب ذلك، أما الملوك والأمراء فإنهم غالباً يكونون تبع للعلماء، لا يستطيعون أن يرغموا الناس على شيء إلا إذا وافقهم العلماء على ذلك واتفقوا معه، والنادر لا حكم له، ولكن هذا هو الغالب، فالأمر يرجع إلى العلماء، فالأئمة المضلون يتبعهم المنفذون الذين ينفذون الأمر، ويكون ذلك عن رأيهم وعن اجتماعهم وعن مشورتهم.

والعباد أثرهم في هذا أنه يقتدى بهم، يرى الناس أنهم صلحاء، وأنهم زهاد، وأنهم أتقياء، وأنهم أولياء، فيغترون بهم من هذه الناحية، فيقتدى بهم، فيكونون فتنة لكل مفتون، فكل هؤلاء أسباب لما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يخافه على أمته (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين)، فهؤلاء هم الذين يضلون.

إذاً: الأئمة منهم أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون، ويقولون بالحق، وأئمة يقولون بالضلال، ويهدون إليه، وهم من دعاة النار، فالإمام اسم لكل من يقتدى به في شيء، سواء كان في حق أو باطل؛ ولهذا أخبر الله جل وعلا أن فرعون ومن معه أئمة الضلال يهدون إلى النار، الرجل قد يكون إماماً بنفسه كما قال الله جل وعلا عن إبراهيم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا} [النحل:١٢٠] يعني: إماماً يهتدى به في الحق، ويتبع في ذلك.