للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حديث: (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين)]

قال الشارح: [وقوله صلى الله عليه وسلم: (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) أتى بإنما التي قد تأتي للحصر بياناً لشدة خوفه على أمته من أئمة الضلال، وما وقع في خلد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك إلا لما أطلعه الله عليه من غيبه أنه سيقع نظير ما في الحديث قبله من قوله: (لتتبعن سنن من كان قبلكم) الحديث وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون) رواه أبو داود الطيالسي، وعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) رواه الدارمي.

وقد بين الله تعالى في كتابه صراطه المستقيم الذي هو سبيل المؤمنين، فكل من أحدث حدثاً ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو ملعون، وحدثه مردود كما قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً) وقال: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، وقال: (كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) وهذه أحاديث صحيحة، ومدار أصول الدين وأحكامه على هذه الأحاديث ونحوها].

مدار أصول الدين وأحكامه على هذه الأحاديث؛ لأن الدين مداره على أن يكون الدين كله لله وحده، وأن يكون الدين بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فالدين كله ينحصر في هذا، أن يكون خالصاً لله، وأن يكون الدين بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فالبدعة والمحدثات ليست من الدين، وإنما فيها تغيير الدين وتبديله؛ ولهذا لعن من فعل ذلك ومن وقع منه ذلك.

قال الشارح: [وقد بين الله تعالى هذا الأصل في مواضع من كتابه العزيز كما قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف:٣]، وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:١٨] ونظائرها في القرآن كثير.

وعن زياد بن حدير قال: قال لي عمر رضي الله عنه: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين.

رواه الدارمي.

وقال يزيد بن عمير: كان معاذ بن جبل رضي الله عنه لا يجلس مجلساً للذكر إلا ويقول: الله حكم قسط: هلك المرتابون، وفيه: فاحذروا زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، قلت لـ معاذ: وما يدريني -رحمك الله- أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة والمنافق قد يقول كلمة الحق؟ فقال: اجتنب من كلام الحكيم المشتبهات التي تقول: ما هذه؟ ولا يثنيك ذلك عنه].

التي تقال: ما هذه؟ أو تقول: ما هذه؟ يعني: أنك تستنكرها.

[التي تقول: ما هذه؟ ولا يثنيك ذلك عنه فإنه لعله أن يراجع الحق، وتلق الحق إذا سمعته فإن على الحق نوراً.

رواه أبو داود وغيره.

قوله: (وإذا وقع السيف لم يرفع إلى يوم القيامة) وكذلك وقع فإن السيف لما وقع بقتل عثمان رضي الله عنه لم يرفع، وكذلك يكون إلى يوم القيامة، ولكن قد يكثر تارة ويقل أخرى، ويكون في جهة ويرتفع عن أخرى.

قوله: (ولا تقوم بالساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين) الحي واحد الأحياء وهي القبائل، وفي رواية أبي داود: (حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين) والمعنى: أنهم يكونون معهم ويرتدون برغبتهم عن أهل الإسلام، ويلحقون بأهل الشرك].

هذا هو الشاهد من الحديث؛ لأن المقصود الرد على الذين يقولون: إن الشرك لا يقع في هذه الأمة، ومن قال: لا إله إلا الله فهو مسلم داخل في شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وناجٍ من النار، وإن وقع منه ما وقع، فأراد أن يبين أن هذا ضلال، وأنه ليس المقصود من قول (لا إله إلا الله) التلفظ بها، وإنما المقصود اعتقاد معناها والعمل بها، وإلا إذا كان الإنسان يتلفظ بها وهو لا يعرف معناها، بل ويأتي بما يخالف ما دلت عليه، فيكون قوله لها مثل الذي يقولها وهو سكران، أو وهو نائم يهذي، والهذيان لا فائدة فيه.

[وقوله: (حتى تعبد فئام من أمتى الأوثان) الفئام بكسر الفاء مهموز: الجماعات الكبيرة قاله أبو السعادات].

وهذا إخبار بأن جماعة من قبائل الأمة ترتد عن الإسلام، وترغب في دين الكفار، وجماعة أخرى تعبد الأوثان، فكله خلاف ما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر به خلافاً لما يدعيه هؤلاء الضلال.

[وفي رواية أبي داود: (حتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان)، وهذا هو شاهد الترجمة، ففيه الرد على من قال بخلافه من عباد القبور الجاحدين لما يقع منهم من الشرك بالله بعبادتهم الأوثان؛ وذلك لجهلهم بحقيقة التوحيد وما يناقضه من الشرك والتنديد، فالتوحيد هو أعظم مطلوب، والشرك هو أعظم الذنوب.

وفي معنى هذا الحديث، ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة) قال: وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية، وروى ابن حبان عن معمر قال: إن عليه الآن بيتاً مبنياً مغلقاً].

ذو الخلصة عبارة عن صخرات كانت في جبل يأتون إليه، ويتعبدون عنده مثل اللات تماماً، فهدم زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأزيل، وأخبر أنه سوف يبعث من جديد، وتطوف عليه النساء وقد وقع ذلك من أزمنة قريبة، ثم أزيل، ويجوز أن يعود مرة أخرى، وكل هذا خلاف ما يقوله هؤلاء.