للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البشارة بأن الحق لا يزول بالكلية]

[التاسعة: البشارة بأن الحق لا يزول بالكلية كما زال فيما مضى، بل لا تزال عليه طائفة].

الحق في هذه الأمة -والحمد لله- سيبقى إلى قيام الساعة، فلا يزول مثل ما زالت الأديان الأخرى كالنصرانية واليهودية، ولما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان على وجه الأرض رجل أو جماعة على ما جاءت به الأنبياء إلا ربما واحد أو اثنان في بلاد مختلفة أو ثلاثة أفراد، ولهذا جاء في مسند أبي يعلى وغيره: أن الرسول صلى الله عليه وسلم التقى بـ زيد بن عمرو بن نفيل فقال: ما لقومك قلوك وآذوك؟ قال: والله ما نقصتهم بمال، ولا خالفتهم في أمر إلا أني أعيب عليهم دينهم؛ لأنه صار يعبد الله، ولكن بأي شيء يبحث عن الدين؟ وذكر أنه ذهب إلى المدينة وسأل اليهود عن ملة إبراهيم؟ فقالوا: هنا لا يوجد، وربما تجده في الشام، فذهب إلى الشام وسأل: هل يوجد؟ فدل على رجل في الجزيرة يعني: في العراق، فذهب إلى العراق، وكل هذا التعب والجهد ليبحث عن دين لله يتمسك به؛ لأنه رأى أن الشرك ليس شيئاً، وإنما هو بلاء، فلما جاء إلى هذا الرجل قال: الدين الذي تبحث عنه وراءك في بلدك، سيأتي يوم يدين بلدك كله بهذا الدين الذي تقول، يقول: هأنا أنتظر ما رأيت أحداً، وهذا الخطاب يقوله للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا قبل البعثة، ثم بعد ذلك مات قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهذا يدلنا على أن الأديان الأخرى لا يبقى عليها جماعات وإن بقي الواحد الفرد، وفي صحيح مسلم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب) يعني: عدد بسيط من أهل الكتاب على الحق؛ لأنهم كلهم على الباطل، فهذه الخاصية لهذه الأمة فضل تفضل الله جل وعلا بها عليهم، وهو أن الحق يبقى.

ومن المعلوم أن الزمن الذي بين عيسى عليه السلام وبين نبينا صلى الله عليه وسلم قرابة ستمائة سنة فقط، ومع ذلك ذهب الأمر، الآن منذ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ألف وأربعمائة سنة وزيادة، والأمر أيضاً أكثر من هذا، وسيبقى الدين إلى أن تقوم الساعة، وهذا الدين -والحمد لله- يوجد عليه من يتمسك به ومن يعرفه ويعمل به ويدعو إليه؛ لأن هذا هو الوصف الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن هذه الطائفة على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.

والذي يكون على الحق لابد أن يكون بنفسه ملتزماً بالحق، وأن يدعو إليه، يدعو إلى الحق ويبينه، هذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ومعلوم أن هذه الأمة أفضل الأمم، أما قول الله جل وعلا في بني إسرائيل: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الجاثية:١٦] فالمقصود كما يقول المفسرون: فضلوا على عالم زمانهم، أما هذه الأمة فهي أفضل منهم.