للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اسما (الرحمن الرحيم) وما لهما من خصائص]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣]، قال ابن جرير: حدثني السري بن يحيى قال: حدثنا عثمان بن زفر، قال: سمعت العرزمي يقول: الرحمن بجميع الخلق، والرحيم بالمؤمنين.

وساق بسنده عن أبى سعيد -يعني: الخدري - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عيسى ابن مريم قال: الرحمن: رحمن الآخرة والدنيا، والرحيم: رحيم الآخرة)].

هذا هو الحديث السابق وقلنا: إنه ضعيف، بل قالوا: إنه موضوع، فهذا الحديث لا يصلح أن يكون دليلاً، فقول ابن جرير رحمه الله فيما رواه: (الرحمن بجميع الخلق والرحيم بالمؤمنين).

هذا روي عن بعض السلف، فيكون الفرق بينهما أن الرحيم أخص، والرحمن أعم، فالرحمن رحمة واسعة تعم الخلق كلهم، والرحيم يكون خاصاً ويختص بالمؤمنين، ولهذا جاء أنه كان بالمؤمنين رحيماً، وما جاء أنه بالمؤمنين رحمن، ولكن يشكل على هذا قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحج:٦٥]، فالناس لفظ مطلق يعم جميع الخلق كافرهم ومؤمنهم، فيكون هذا مخالفاً لما سبق، والصواب في هذا أن (الرحمن والرحيم) كلاهما اسمان ووصفان لله جل وعلا، ولكن الرحمن أكثر معنىً للمبالغة ولزيادة البناء؛ فإن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى في اللغة العربية، و (الرحمن) يدل على تعلق الصفة بالرب جل وعلا، و (الرحيم) يدل على قيام الصفة للمرحوم، فـ (الرحمن) يدل على وصفه القائم بذاته جل وعلا، و (الرحيم) يدل على وصفه الذي يفعله، فهذا هو الفرق بينهما الذي لا يشكل عليه ما ذكر، وقد قال بهذا طوائف من العلماء، هذا والله أعلم بالصواب في ذلك؛ لأنه إذا قيل: إنهما اسمان رقيقان كما جاء عن ابن عباس، وجعل لكل واحد معنى الآخر يكون في ذلك تكرار، وليس في كلام الله وفي أسمائه تكرار جل وعلا، بل لكل واحد منهما معنى يخصه.