للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآيات العظيمة التي ذكرت في كلام النبي صلى الله عليه وسلم]

[الثانية عشرة: ما فيه من الآيات العظيمة، منها: إخباره بأن الله زوى له المشارق والمغارب، وأخبر بمعنى ذلك فوقع كما أخبر، بخلاف الجنوب والشمال].

وإخباره بأنه قال: (فرأيت مشارقها ومغاربها) ما قال: رأيت جنوبها وشمالها، فصار الأمر كما أخبر، صار امتداد الأمة وملكها شرقاً وغرباً.

أما الجنوب معروف أنه ما عدا جزيرة العرب، وملك أمته ما عدا جزيرة العرب لم يجاوزها جنوباً.

والشمال كذلك ما تعدى وسط آسيا الصغرى إلا فيما بعد امتد قليلاً، فبقيت أوروبا لم يأتها الإسلام التي هي في الشمال، ولن يتمكن المسلمون من ذلك؛ لأن الخبر قال: (زوي لي مشارقها ومغاربها)، أما الشرق فوصل إلى الصين، وهو شيء يتعجب منه الإنسان كيف وصل الصحابة إلى تلك الأماكن؟! وأما الغرب فكذلك وصلوا إلى البحر فحال بينهم وبين ماوراءه، ولهذا قال أحد القواد لما وصل إلى البحر الأطلسي فخاضه بفرسه: والله لو أعلم أن خلفك من يقاتل في سبيل الله لتجشمت ذلك، يعتقد أن هذا آخر الدنيا ما وراء ذلك شيء من الأرض.

[وإخباره بأنه أعطي الكنزين، وإخباره بإجابة دعوته لأمته في الاثنتين، وإخباره بأنه منع الثالثة].

قد سبق أن إجابته: ألا يهلكهم بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وأنه أعطي هاتين الدعوتين، وأما الثالثة فمنع وهي: أن يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً، وإذا وجد ذلك يجوز أن يسلط عليهم غيرهم.

وأما كونه زويت له الأرض ورآها، فهذا سبق أن معناه: أنها جمعت له فصار ينظر إلى البعيد مثل القريب، ينظر إلى الشيء الذي سيصل إليه ملك أمته، وأما الكنزان فالمقصود بهما كما سبق: كنز كسرى، وكنز قيصر، وكسرى ملك الفرس، وقيصر ملك الروم، وهذا اسم لكل ملك، كما أن فرعون اسم لكل من ملك مصر في الكفر، وكذلك النجاشي اسم لكل من ملك الحبشة، وليس اسم علم وإنما هو جنس، فوقع ذلك في زمن الصحابة على أناس معينين لم يكن لهم بعد ذلك دولة.

[وإخباره بوقوع السيف، وأنه لا يرفع إذا وقع، وإخباره بظهور المتنبئين في هذه الأمة].

هذه كلها أعلام من أعلام النبوة يعني: دلائل على صدقه، وعلى أنه نبي من الله يخبر بالوحي كالذي يوحيه الله جل وعلا له.

[وإخباره ببقاء الطائفة المنصورة، وكل هذا وقع كما أخبر، مع أن كل واحد منها من أبعد ما يكون في العقول].

نعم، كون الصحابة على قلة عددهم يستولون على الدول العظيمة الكبيرة دولة الفرس، وفي ظرف خمسة وعشرين سنة فقط أو أقل من ذلك يستولون عليها نهائياً، ويزول ملكهم نهائياً، ويصبح ملكهم للمسلمين مع أنهم قلة، والصحابة قلة في عددهم وعدتهم، فهذا آية من آيات الله؛ ولهذا لا يزال الكفار يدرسون هذا الوضع كيف حصل؛ لأنهم لا يرون إلا الأمور المادية، فيحللونها ويدرسونها على أنها أمور عسكرية يدبرونها، وليس الأمر كذلك، هذا من الله جل وعلا، والصحابة عرفوا ذلك وقالوا: نحن لا نقاتل الناس بقوتنا ولا بعددنا؛ إنما نقاتل بإيماننا، الآيات ظاهرة وباهرة، وهذا حتى في أول الأمر ومبدؤه، فالجيش الذي أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم بقيادة زيد بن حارثة وعين عليه الأمراء، وقال: إن قتل فـ جعفر، وإن قتل فـ عبد الله بن رواحة، فقتل كل الذين سماهم، وكان عددهم ثلاثة آلاف فقط، والجيش الذي قابلهم من المؤرخين من يقول: هم ثلاثمائة ألف، ومنهم من قال: كانوا مائتي ألف، مائة من الروم، ومائة من نصارى العرب، وأقل ما قاله المؤرخون: أنهم مائة وخمسون ألفاً، وهذا على أقل قول يقابل ثلاثة آلاف، ثم ما استطاع هؤلاء أن يستولوا عليهم، بل انتصروا، فكل فريق عرض عن الثاني بعدما جهد، يعني: ما استطاعوا أن يستولوا على المسلمين، فالنصر ليس بكثرة العدد، وإنما هو بيد الله جل وعلا، وهذا كثير جداً، كذلك وقعة القادسية وغيرها آيات باهرة، آيات من الله جل وعلا.

فالمقصود أن هذا من أبعد ما يكون في العقول يعني: الذي ينظر في الواقع ويقيس الأمور المشتبهة على نظائرها وينظر إلى الماديات يرى أن هذا بعيد.

وكذلك إخباره بأن الله زوى له الأرض، وأن ملك أمته يصل إلى الصين، ويصل إلى أقصى المغرب وغير ذلك، ولو نظر العاقل فيها بمجرد عقله استبعدها جداً، ولما أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم آمنوا بها كما أخبر، وما صار عندهم في ذلك تردد.