للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطر السحر]

قال الشارح: [وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:١٠٢]].

السحر من الكبائر التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي أنه قال: (اجتنبوا السبع الموبقات: فعد منها السحر)، فجعل السحر موبقاً، والموبق: هو المهلك، بمعنى: أن الساحر يكون هالكاً.

والسحر أنواع منه: ما هو كفر بالله جل وعلا وشرك، والمشرك والكافر ما ينفعه أي عمل ولو تصدق أو صلى أو صام ولو عمل أي عمل، وكما قال الله جل وعلا: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:٢٣].

وكذلك قوله عن أعمالهم: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور:٣٩].

وكما قال في الآية الأخرى: {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم:١٨] هذه أعمال الكفار بهذه الصورة التي يمثلها لنا ربنا جل وعلا والمشركون.

والمشرك إذا مات على شركه فهو خالد في النار أبداً، ولا يغفر له، وكذلك الكافر إذا مات على كفره فهو خالد في النار، والجنة عليه حرام، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغ في المجامع ويأمر منادياً ينادي: (لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة) حتى يعلم الناس ذلك.

والإيمان ليس كما يقول بعض الناس: الإيمان في القلب، وإنما الإيمان في القلب والجوارح والسلوك والعمل، وليس في القلب فقط، والإيمان الذي في القلب لا يكفي إذا لم يكن هناك عمل.

فالساحر يتقرب إلى الشيطان بما يصنعه من العقد التي ينفث فيها، والعزائم والأبخرة والأدعية التي يدعو الشيطان بها؛ حتى ينعقد ما أراده بإذن الله الكوني القدري، فيحصل للمسحور الأذى إما مرض وإما تغير حال، يصبح بدل الحب بغضاً أو بالعكس، أو قد يغير مزاجه، وقد يمرضه، وقد يموت، وقد ذكروا: أن السحر له أنواع متعددة، ولكن بعض الأنواع التي ذكرت ليست من السحر المحرم، وإنما هي حيل، ولهذا جاء في اللغة: أن السحر هو الصرف، يعني: أن يصرف الإنسان عن الشيء الذي يراه على غير حقيقته، ومن ذلك قولهم: (سحرت الصبي إذا خدعته واستملته) ومن ذلك ما جاء في الحديث: (إن من البيان لسحراً) وذكر أن سبب هذا القول من الرسول صلى الله عليه وسلم أن ابن الأهتم لما حضر مع الزبرقان وقال للرسول صلى الله عليه وسلم عن الزبرقان: إنه لقوي العارضة، مطاع في أنديته، وإنه كذا وكذا فقال الزبرقان: والله إنه ليعلم أكثر من ذلك، ولكنه يحسدني، فقال: أنا أحسدك؟ ثم قال: والله إنه للئيم الخال، حديث المال كذا وكذا ثم قال: والله يا رسول الله! ما كذبت في الأولى ولا كذبت في الثانية، ولكني رضيت فقلت أحسن ما أعلم، وسخطت فقلت أسوأ ما أعلم، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحراً) يعني: أن الذي عنده مقدرة على البيان قد يصف الباطل فيجعله بصورة الحق، فيخيل للإنسان أنه حق فيسحره يعني: يصرفه عن الحق بهذه الصورة.

وهذا على مذهب المحدثين أنه على سبيل الذم، يعني هذا القول: (إن من البيان لسحراً) على سبيل الذم، والمقصود: أن السحر في اللغة هو هذا.

أما السحر في الاصطلاح فهو -كما ذكر العلماء-: عزائم وعقد ينفث فيها كما قال الله جل وعلا: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق:٤] يعني: السواحر، عقد وعزائم ورقى وأدخنة وأبخرة يتقرب بها إلى الشيطان، فتجتمع نفس الساحر مع نفس الشيطان على أذية المسحور، بواسطة ما يفعله من الأبخرة وغيرها، أو الأدوية التي يجمعها فينعقد ما أراده بإذن الله جل وعلا القدري الكوني، فهذا هو السحر الذي يكون شركاً وكفراً.

ولما كان السحر لا ينفك عن الشرك أراد المؤلف رحمه الله أن يبين أن هذا مناف للتوحيد، وأنه يجب على الموحد أن يعرف ذلك حتى يجتنبه ولا يقع فيه.

قال الشارح: [قوله: باب ما جاء في السحر أي: والكهانة].

الكهانة سيأتي لها باب مستقل، ولكنه قال: والكهانة؛ لأنها أدخلت فيه، بل ومن أنواع السحر النميمة كما سبق، وهناك أنواع ألحقت بالسحر مثل: اقتباس علم النجوم والنظر فيها والتأثير فيها، ومثل الحيل التي يصنعها بعض الناس، ويصرف وجوه الناس عنها، ومثل قوى النفس، فقد يكون لبعض الناس تأثيراً قوياً في نفسه فيؤثر على الآخرين بإصابة العين وما أشبه ذلك، كل هذا وغيره أدخل في السحر، ولكن الواقع أنه ليس من السحر.