للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السحر]

(السحر)، هذا الشاهد من الحديث: أنه جعل السحر قريناً للشرك، وقد سبق أن الساحر لا ينفك عن الشرك، وإنما هو أخص من الشرك، فهو شرك خاص لعمل خاص؛ وذلك لأنه يعبد الشيطان حينما يطلب منه السحر، والشيطان لا يؤتيه مطلوبه إلا إذا عبده، وعبادته، أن يطيعه فيما يأمره به، سواءً أمره أن يذبح، أو أمره أن يفعل فعلاً منكراً مخالفاً للشرع، فامتثال أمره عبادة له، ولابد أنه يطيعه ولو لم يطعه ما فعل الشيطان له شيئاً، فالسحر موبق ومهلك، وقد كثر السحر وللأسف في المسلمين الذين يدعون الإسلام؛ وذلك لجهلهم بدين الإسلام؛ أو لأنهم لا يهتمون بالدين أصلاً، وإنما همهم أن يتحصلوا على الدنيا بأي طريقة كانت، ولو بطرق خبيثة مضرة بالناس، فهذا مقصودهم، فصاروا به عباداً للدنيا بعد عبادتهم للشيطان، بل إن عبادة الشيطان وسيلة لعبادة الدنيا، وحصولهم على المقصود؛ ولذلك فليعلم أن السحر كفر بالله جل وعلا؛ لأنه يشتمل على الشرك، وقد دل كتاب الله جل وعلا على ذلك، كما قال جل وعلا: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:١٠٢] فقوله: (فَلا تَكْفُرْ): يدل على أن تعلم السحر كفر، وكذلك بقية الآية فيها دلائل على أن السحر كفر.

{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:١٠٢] هذا أيضاً يدل على كفره، والذي ليس له في الآخرة من خلاق هو الكافر الهالك.

يعني: ليس له نصيب في الآخرة بل نصيبه النار.

ومعنى: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ) أي: من تعلمه وفعله، فالذي يتعلمه ويفعله هو المشتري له.

ومن المعلوم أن الدنيا قليلة جداً، وأنها سوف تزول عن قرب كطرف العين؛ لأن الواقع أن الدنيا هي ما أنت فيه، أما ما مضى وما هو آتٍ فليس لك، وكأنه عدم.

اعلم أن الدنيا عمرك، فإذا انتهى عمرك وختم لك على عمل انتهت الدنيا بالنسبة لك، فالإنسان إذا كان ساحراً، فهو خاسر هالك موبق، قد خسر خسارةً لا يربح بعدها أبداً، ولا يمكن أن يستدرك هذا، لا بأثمان ولا بأشخاص ولا بغير ذلك، انتهت القضية، وأصبح ما تحصّل عليه وبالاً وحسرة ومضرة، وقد زالت متعته وكأن لم تكن.

ومن المعلوم أن العاقل يبحث عن الراحة وإزالة العذاب، وذلك لا يتأتى للإنسان إلا بطاعة الله جل وعلا فقط، ولا يوجد طريق غير هذا، وهذا أمر مؤكد بلا أدنى ريب وتردد، فالذي يرتكب شيئاً من هذه الأمور يعيش في هم ونكد وعاقبته خسارة.