للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى: رنة الشيطان]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: قال الحسن: رنة الشيطان، قلت: ذكر إبراهيم بن محمد بن مفلح أن في تفسير بقي بن مخلد: أن إبليس رن أربع رنات: رنةً حين لُعن، ورنةً حين أُهبط، ورنةً حين ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورنةً حين نزلت فاتحة الكتاب.

قال سعيد بن جبير: لما لعن الله تعالى إبليس تغيرت صورته عن صورة الملائكة، ورن رنةً، فكل رنة منها في الدنيا إلى يوم القيامة.

رواه ابن أبي حاتم].

قوله: (كل رنة منها إلى يوم القيامة) يعني: الرنين الذي هو ممنوع شرعاً مثل البكاء والنياحة، ومثل الأصوات التي تدل على الفجور أو الفسق، ومثل الصوت عند النعمة والصوت عند الفجيعة؛ التي تكون أصواتاً تدل على السخط للمقدور الذي وقع، أو تدل على التأسف والحزن على ذلك؛ لما يفوته من حظوظه، أو لأنه يطرب ويفسق ويظهر خلاف ما أمر به، وهو أن يكون شاكراً لأنعم الله، فكل ما خالف الحق وخالف الشرع فهو باطل، والباطل من أمر الشيطان.

قال الشارح رحمه الله: [وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة رن إبليس رنةً اجتمعت إليه جنوده) رواه الحافظ الضياء في المختارة.

الرنين: الصوت، وقد رن يرن رنيناً وبهذا يظهر معنى قول الحسن رحمه الله تعالى].

وليس المعنى: أنه رن وانتهت القضية، بل إذا رن واجتمعت إليه جنوده أمرهم بالحرص على إضلال بني آدم، ووجههم وأعطاهم الأوامر والتوجيهات التي يضلون بها بني آدم، فينتج عن رنينه بلاء، ومن ذلك السحر؛ لأن السحر من الشيطان، وكذلك التطير والطرق وكل ما خالف الشرع، فينتج عن رنينه فساد في الأرض بسبب إرضاء الشياطين، وشياطين الجن تتصل بشياطين الإنس فتتعاون وتتساعد على ذلك.

وقد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم: أن كل واحد منا معه قرين من الشياطين، وقرين من الملائكة، فهذا الشيطان يأمره بالفساد وبالفجور وبكل ما يخالف الحق ويغريه بذلك، والملك ينهاه عن ذلك ويأمره بالخير، فلهذا لمه، ولهذا لمه، فإذا وجد الإنسان من نفسه الشيء الذي يغريه بالشر ويدفعه إليه ويزينه له فهذا من الشيطان، فيجب عليه أن يستعيذ منه، وإذا وجد من نفسه دافعاً يدفعه إلى الخير ويزينه له ويحثه عليه فهذا من الملك، والنفس أيضاً قد تكون مع هذا وقد تكون مع هذا، فإما أن تكون أمارة بالسوء وإما أن تكون مطمئنة.

ولما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة: (كل واحد معه قرينه من الجن -والجن المراد الشياطين أولاد إبليس- قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟! قال: حتى أنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلمَ -وروي: فأسلمُ) بضم الميم، وروي بفتحها، وإذا كان بضم الميم فمعناه: أسلم أنا من شره، وإن كان بالفتح فمعناه: أنه أسلم، أي: دخل في الإسلام وانقاد له، ولكن المعنى الأول هو الصحيح، لأن الشيطان لا يسلم، ولو أسلم لما كان قريناً يقابل قرين الملك.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولـ أبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه: المسند منه.

قال الشارح رحمه الله: ولم يذكر التفسير الذي فسره به عوف، وقد رواه أبو داود بالتفسير المذكور بدون كلام الحسن].