للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل البيان ممدوح أو مذموم؟]

قال الشارح رحمه الله: [البيان: البلاغة والفصاحة.

قال صعصعة بن صوحان: (صدق نبي الله، فإن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق).

وقال ابن عبد البر: (تأولته طائفة على الذم؛ لأن السحر مذموم.

وذهب أكثر أهل العلم وجماعة أهل الأدب إلى أنه على المدح؛ لأن الله تعالى مدح البيان.

قال: وقد قال عمر بن عبد العزيز لرجل سأله عن حاجة فأحسن المسألة فأعجبه قوله، قال: هذا والله! السحر الحلال) انتهى].

هذا الكلام فيه نظر، ولا يثبت عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: هذا والله! السحر الحلال، فالسحر ليس فيه شيء حلال، بل هو كله محرم.

فإذا ألحق الكلام بالسحر فهو يدل على ذمه ولا يدل على مدحه.

[والأول أصح، والمراد به: البيان الذي فيه تمويه على السامع وتلبيس، كما قال بعضهم: في زخرف القول تزيين لباطله والحق قد يعتريه سوء تعبير مأخوذ من قول الشاعر: تقول هذا مجاج النحل تمدحه وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير مدحاً وذماً وما جاوزت وصفهما والحق قد يعتريه سوء تعبير قوله: (إن من البيان لسحراً) هذا من التشبيه البليغ؛ لكون ذلك يعمل عمل السحر، فيجعل الحق في قالب الباطل، والباطل في قالب الحق، فيستميل به قلوب الجهال حتى يقبلوا الباطل وينكروا الحق، ونسأل الله الثبات والاستقامة على الهدى.

وأما البيان الذي يوضح الحق ويقرره ويبطل الباطل ويبينه فهذا هو الممدوح، وهكذا حال الرسل وأتباعهم، ولهذا علت مراتبهم في الفضائل، وعظمت حسناتهم.

وبالجملة فالبيان لا يحمد إلا إذا لم يخرج إلى حد الإسهاب والإطناب، وتغطية الحق وتحسين الباطل، فإذا خرج إلى هذا فهو مذموم، وعلى هذا تدل الأحاديث كحديث الباب، وحديث: (إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها) رواه أحمد وأبو داود].