للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الكهانة وإتيان الكهان]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الكهان ونحوهم].

الكهانة كانت كثيرة في العرب في الجاهلية، وأصلها: الاتصال بالشياطين، أن يكون الإنسان له قرين من الشياطين يطيعه ويأتيه بالأخبار التي تغيب عن الناس، ومنها: استراق السمع.

واستراق السمع هو كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله جل وعلا إذا قضى الأمر من أمره وأمر به ملائكته وتكلم بالوحي؛ حصل للسماء من ذلك رعدة ورجفة، وكذلك الملائكة الذين يحفون بالعرش يفزعون ويصعقون خوفاً من الله جل وعلا، ثم إذا فُزِّع عن قلوبهم سألهم الملائكة الذين يلونهم: ماذا قال ربنا؟ فيقولوا: قال الحق، ثم ينتهي الخبر إلى السماء الدنيا، ثم ينتهي الخبر إلى الملائكة الذين في العنان -يعني: في السحاب- يدبرون أمر الله فينقلونه ويتكلمون به، والشياطين يركب بعضهم بعض ليسترقوا ما تقول الملائكة، فإذا سمعوا كلمة أخذها الأعلى وألقاها إلى من تحته، والذي تحته يأخذها ويلقيها إلى من تحته، إلى أن تصل إلى الذي في الأرض، ثم يذهب بها إلى قرينه الكاهن مسرعاً، فيخبره ويزيد معها مائة كلمة كذب، فالخبر الذي يقولونه ويكون على وجهه هو من هذا القبيل، فيصدقون مرة ويكذبون مائة مرة، وقد يرسل الشهاب إليه فيقتله، وقد يذهب بفكره وعقله ويصبح بلا عقل، وقد يصيبه إصابة لا يستطيع أن يتحرك معها.

والله جل وعلا ذكر أنه جعل النجوم رجوماً للشياطين، أي: يرجمون بها عند استراق السمع.

فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حُرست السماء حراسة شديدة، فأصبح لا أحد من الشياطين يستطيع أن يصل إلى شيء من العنان؛ لأنهم يرجمون، فلهذا أخبر الله جل وعلا عن الجن أنهم قالوا: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [الجن:٩] أي: لا أحد منهم يستطيع استراق السمع، وكل هذا صيانة للوحي؛ لئلا يسترق شيطان من الشياطين شيئاً من الوحي الذي يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيذهب به إلى الكهان؛ فيكون في ذلك فتنة للناس، ويقال: إن هذا الكاهن أخبر بما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم، وما يقوله إنما هو من نوع الكهانة، فحماه الله جل وعلا، فلما انتهى الوحي بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبحت الأمور على ما كانت عليه، يعني: أمكن الشياطين أن يستمعوا، ويأتون إلى أوليائهم من الإنس بما يخطفون ويزيدون معه، والشيطان يزيد مائة كذبة، فيلقيها على الكاهن، والكاهن كذلك يزيد فيها ويكذب، وهذا من العجائب أن يصدق مائة قول كذب من أجل كلمة واحدة!! إذاً: الكهانة نوع من السحر، ولهذا ذكرها بعده.