للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التطير بالسوانح والبوارح]

قال الشارح رحمه الله: [باب ما جاء في التطير، أي: من النهي عنه والوعيد فيه، مصدر تطير يتطير تطيراً، والطيرة -بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن-: اسم مصدر من تطير طيرة.

وأصله التطير بالسوانح والبوارح، من الطير والظباء وغيرهما، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشارع وأبطله، وأخبر أنه لا تأثير له في جلب نفع أو دفع ضر].

كثير من العلماء يقولون: إن السانح: هو الذي يأتي عن يمين الإنسان، والبارح: هو الذي يأتي عن شمال الإنسان، وبعضهم يعكس.

والمقصود أنهم إذا خرجوا لحاجتهم فرأوا طائراً على شجرة أو غيرها أطاروه، ونظروا أين يتجه، فإن جاء عن اليمين تفاءلوا ومضوا، وقالوا: هذا يدل على الخير، وإن جاء عن الشمال تشاءموا ورجعوا وقالوا: هذا يدل على الشر، وإن هذا السفر أو هذا المخرج الخروج فيه مصيبة! ومن المعلوم أن الطائر وغيره من الحيوانات ليس عنده شيء من علم الغيب، وليس عنده شيء من النفع والضر، وإنما هذا شيء يلقيه الشيطان في نفوسهم؛ ليهينهم ويذلهم، فلهذا جاء النهي عنه، ثم ألحق بفعل الطير كل ما كان مثل هذا المعنى من فعل الحيوانات، فإذا رأوا مثلاً ثعلباً يتفاءلون ويمضون، وإذا رأوا أرنباً يتشاءمون ويرجعون؛ لأن الأرنب ضعيفة فتكون عرضة لكل سهم ولكل صائد، وبالتالي يكون الخارج عرضةً للألم والعذاب والإصابة فيرجعون، بخلاف الثعلب فإنه ماكر، عنده القدرة على حفظ نفسه -حسب زعمهم- وبالتالي يفرحون به، وهكذا سائر الحيوانات، وقد يكون التشاءم بالإنسان، فترى أحدهم إذا خرج من بيته فلقيه إنسان به عيب: كالأعور أو الأعرج أو الأعمى أو ما أشبه ذلك تشاءم ورجع، وهذا من وسوسة الشيطان، والفعل يكون شركاً.

أما إذا لم يلتفت إلى ذلك -وإن وقع في نفسه شيء- فإنه لا يضره.

فعلى الإنسان إذا رأى شيئاً من هذه الأمور أن يقول: (اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بك) ويمضي، فإن ذلك لا يضره ولا يلتفت إليه، ولا يكون ممن دخل في الطيرة.

وكانت الطيرة في العرب كثيرة جداً، وهي وهم من الشيطان، وليس فيها شيء مما يعرف به المستقبل أصلاً.

ومن يهتم بالطيرة قد يبتلى من الله جل وعلا؛ لأنه صرف قلبه إلى غير الله جل وعلا، وكلما سمع كلمة صار يفسرها، مثل لو سمع كلمة سفرجل، وهو خارج خلف بائع السفرجل، أو رآه وهو خارج من منزله قال: هذا سفر وأجل أي: أنه سيموت، فيرجع إلى منزله، فتراه كلما سمع كلمة راح يفسرها في نفسه تفسيراً سيئاً، ويلقي الشيطان في قلبه أنه سيصاب بما فسره، بخلاف الذي يعتمد على ربه ويتوكل عليه، ولا يلتفت إلى هذه الأشياء ويمضي، فإنه لا يصيبه أذى.

ومن المعلوم أنه لا يقع شيء إلا بقدر الله وقضائه ومشيئته، فالمؤمن يؤمن بذلك، ويتوكل على الله، ولا يلتفت إلى شيء مما يصنعه الشيطان، ويلقيه في نفوس الكثير من الناس، وإذا علم الله جل وعلا ذلك منه، فإنه لا يضره شيء من هذه الأمور، لا في دينه ولا في بدنه.

قال الشارح رحمه الله: [قال المدائني: سألت رؤبة بن العجاج قلت: ما السانح؟ قال: ما ولاك ميامنه، قلت: فما البارح؟ قال: ما ولاك مياسره.

والذي يجيء من أمامك فهو الناطح والنطيح، والذي يجيء من خلفك فهو القاعد والقعيد.

ولما كانت الطيرة من الشرك المنافي لكمال التوحيد الواجب؛ لكونها من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، ذكرها المصنف رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد؛ تحذيراً مما ينافي كمال التوحيد الواجب.