للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلت: يا أمير المؤمنين نشدتك الله إلا أدنيتني إليك، أكلمك ولك رأيك. فقدمني فقلت: أنا رجل من أهل المدينة قطن أبي فيها وهو من وادي القرى، وكان تاجرا ذا مال فعلمني القرآن ثم أمرني أن أغدو إلى حلقة ابن أبي ذئب وأروح إلى ربيعة الرأي، فعن لي شيخ لم أكن رأيته قط. فقال لي يا بني: قد بلغت من العلم وما أراك استبصرت في دينك فقلت: وما ذاك يا عم؟ فقال: هل رأيت مقعدا قط؟ قلت: نعم، قال: فلو رأيت رجلا كلفه صعود نخلة ما كنت تقول؟ قلت: جاهل. قال: فلو ضربه على قصوره عن صعودها؟ قلت: ظالم. فقال يا بني هذا حكمك على إنسان فكيف بالله سبحانه في عدله، أتقول إنه يكلف عباده ما ليس في وسعهم ثم يعاقبهم عليه مع قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (١)؟ فتعدني يا أمير المؤمنين بالمقعد؟ قال ذبية: فضحك المهدي أمير المؤمنين ثم أمر فطرح ثيابي علي، فلما لبست أدناني ثم قال: أجبني وأنت آمن.

لو أنك في سفر فرأيت عليلا في برية فاستطعم رجلا فلم يطعمه وتركه ومضى ما كنت قائلا؟ قلت: ظالم، قال: فهل علمت أن أحدا من خلق الله كان في برية عليلا عادما للطعام والشراب؟ قلت: كثيرا، قال: فإن دعا ربه أن ينجيه هل كان الله سبحانه قادرا على أن يطعمه ويسقيه؟ قلت: اللهم نعم، قال: فهل تقول إن دعا ربه أن يطعمه ويرويه فلم يجب دعاءه ومات إن الله ظلمه؟ قلت: لا. قال: فكيف تقول لمن أقعدك مثل هذا؟ قال: لأن الأشياء كلها لله تعالى لا عليه


(١) البقرة الآية (٢٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>