للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجهل، بل دل على إثبات العلم، فقال تعالى للملائكة: {كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يعلمون مَا تَفْعَلُونَ} (١)، ولم يقل: لا يجهلون. وقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} (٢) وقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (٣)، ولم يقل: الذين لا يجهلون، فمن أثبت العلم، نفى الجهل، ومن نفى الجهل، لم يثبت العلم، فما اختار بشر لله من حيث اختار الله لنفسه، ولا من حيث اختار لملائكته ولرسله وللمؤمنين.

فقال لي أمير المؤمنين: فإذا أقر أن لله علما يكون ماذا؟ قلت: يا أمير المؤمنين أسأله عن علم الله، أداخل هو في جملة الأشياء المخلوقة حين احتج بقوله: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (٤)، وزعم أنه لم يبق شيء إلا وقد أتى عليه هذا الخبر، فإن قال: نعم، فقد شبه الله بخلقه الذين أخرجهم الله من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا، وكل من تقدم وجوده علمه فقد دخل عليه الجهل فيما بين وجوده إلى حدوث علمه، وهذه صفة المخلوقين الذين أخرجهم الله من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا، فيكون بِشر قد شبه الله بخلقه. فقال لي أمير المؤمنين: أحسنت أحسنت يا عبد العزيز، ثم التفت إلى بشر، فقال: يأبى


(١) الانفطار الآيتان (١١و١٢).
(٢) التوبة الآية (٤٣).
(٣) فاطر الآية (٢٨).
(٤) الأنعام الآية (١٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>