للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الضغن عليهم، حال بينه وبين النظر، والعداوة والبغض، يعميان ويصمان، كما أن الهوى يعمي ويصم. واعلم رحمك الله أن الكذب والحنث في بعض الأحوال، أولى بالمرء، وأقرب إلى الله من الصدق في القول والبر في اليمين. ألا ترى أن رجلا لو رأى سلطانا ظالما وقادرا قاهرا، يريد سفك دم امرئ مسلم أو معاهد بغير حق، أو استباحة حرمه، أو إحراق منزله، فتخرص قولا كاذبا ينجيه به، أو حلف يمينا فاجرة، كان مأجورا عند الله، مشكورا عند عباده؟. (١)

وقال أبو محمد: وليس يخلو حذيفة في قوله لعثمان رضي الله عنه، ما قال من تورية إلى شيء في يمينه، وقوله، ولم يحك لنا الكلام فنتناوله، وإنما جاء مجملا. وسنضرب له مثلا كأن حذيفة قال: والناس يقولون عند الغضب، أقبح ما يعلمون، وعند الرضا أحسن ما يعلمون. إن عثمان خالف صاحبيه، ووضع الأمور غير مواضعها، ولم يشاور أصحابه في أموره، ودفع المال إلى غير أهله، هذا وأشباهه. فوشى به إلى عثمان رضي الله عنه واش، فغلظ القول وقال: ذكر أنك تقول: إني ظالم خائن، هذا وما أشبهه. فحلف حذيفة، بالله تعالى ما قال ذلك، وصدق حذيفة أنه لم يقل: إن عثمان خائن ظالم وأراد بيمينه، استلال سخيمته، وإطفاء سورة غضبه وكره أن ينطوي على سخطه عليه. وسخط الإمام على رعيته، كسخط الوالد على ولده، والسيد على عبده، والبعل على زوجه. بل سخط الإمام أعظم من


(١) تأويل مختلف الحديث (٣١ - ٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>