للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأوضح عن سببه وعن المراد من مخرجه لأدركته عقولنا، ولو كان أتى به الحكم من الله عز وجل والأمر بتعبده إيانا مكشوفا بيانه موضوحة علته، لم يكن للعباد بلوى ولا محنة، وإنما المحن الغلاظ والبلوى الشديدة الأمور والفروض التي لا تكشف عللها ليسلم العباد لها تسليما، ويقفوا عندها إيمانا، ولولا ما وصفناه كان الذي سبق إليه فكر العقول منا، أن واجبا في كل ما سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربه عز وجل أن يجيبه وأن ينزل عليه فيه شفاءه ليزداد الناس به علما ولملكوته فهما. ولسنا نرى الأمر كذلك، فقد سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربه عز وجل عن الروح، فما أجابه قال الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (١) وعلى ذلك خالف ربنا بين ما أنزل من شرايعه وأعلام دينه ومعالم فروضه وعباداته في الأمم الخوالي، فأحل لطائفة ما حرمه على أمة، وحرم على أمة ما أطلقه لغيرها من أمته وحظر على آخرين ما أباحه لسواهم، وكذلك الأمر فيما أنزل من كتبه، وخالف بينهما في أحكامها كالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وصحف من مضى من الرسل ليسلم الموفق منهم لأمره ونهيه، فينكفئ المخذول منهم على عقبيه نفارا من التفريق بين المجتمعين، ومن الجمع بين المفترقين، وعلموا أن السلامة فيما أنزل عليهم من الاتباع والتقليد لما أمروا به، والإعراض عن طلب التكييف فيما أحل لهم وعن الغلو والإيغال في التماس نهاياتها للوقوع على أقصى مداخلها،


(١) الإسراء الآية (٨٥) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>