للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانوا لا يصلون إليها إلا بفراق السنة؛ فحالف الوحشة وأنس بالوحدة فمضى على سنته على معانقة الحق غير معرج عنه، رضي بالحق صاحباً وقريناً ومؤنساً لا يثنيه عن ذلك خلاف من خالفه ولا عداوة من عاداه، لا تأخذه في الله لومة لائم، لا يزعجه هلع ولا يستميله طمع ولا يزيغه فزع حتى قمع باطل الخلق بما صبره عليه من الأخذ بعنان الحق، لا يستكثر لله الكثير ولا يرضى له من نفسه بالقليل، صابراً محتسباً غير مدبر معانقاً لعلم الهدى غير تارك له، حتى أورى زناد الحق فاستضاء به أهل السنة فاتبعوه، وكشف عورات

البدع وحذر من أهلها فلم يختلف عليه أحد من أهل العلم حتى رجعوا إلى قوله طوعاً وكرهاً، فدخلوا في الباب الذي خرجوا منه، وعادوا للحق الذي رغبوا عنه، واعترفوا له بفضل ما فضله الله به عليهم، فأقروا له بالإذعان وسمعوا له وأطاعوا إذ كان أتقاهم لله وأنظرهم لخلقه وأدلهم على سبل النجاة وأمنعهم لمواقع الهلكة، فبينا الخلق بضيائه مستترون، يحصي لهم الحق وينفي عنهم الباطل، كما ينفي الكير خبث الحديد، إذ أتاه أمر من الله عز وجل ما أتى من كان قبله من أولياء الله وأهل طاعته، واستأثر الله به ونقله إلى ما عنده فتحيرت من بعده الأدلاء، وتاه الجاهلون في سكرات الخطأ، فكان خلفه رحمة الله عليه من أقام نفسه من بعده ذلك المقام منتصباً لمذاهبه، ذابّاً عن أهل السنة متشدّداً على أهل البدع في حقائق الأمور، لا ينعرج عن مذاهبه ولا يدنسه طمع طامع، مؤنس بالوحشة منفرد بالوحدة، صابراً محتسباً مبيناً على أهل البدع، مشفقاً على أهل السنة، لا يفزعه ميل من مال إلى غيره، لم يدعه طمع إلى أحد، صبر على الخير والشر،

<<  <  ج: ص:  >  >>