للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السكين، فبدد مصارينه. وقال لآخر: اغرق في النهر، ففعل، وقال لآخر: اصعد على هذا الحائط، وانزل على مخك، فهلك. فقال للرسول: إن كان معه مثل هؤلاء، وإلا فما معه أحد. (١)

- قال ابن كثير: وقد سأل بعضهم ههنا سؤالاً. فقال: وقد أحل الله سبحانه بأصحاب الفيل -وكانوا نصارى- ما ذكره في كتابه، ولم يفعلوا بمكة شيئاً مما فعله هؤلاء، ومعلوم أن القرامطة شر من اليهود والنصارى والمجوس، بل ومن عبدة الأصنام، وأنهم فعلوا بمكة ما لم يفعله أحد، فهلا عوجلوا بالعذاب والعقوبة، كما عوجل أصحاب الفيل؟ وقد أجيب عن ذلك بأن أصحاب الفيل إنما عوقبوا إظهاراً لشرف البيت، ولما يراد به من التشريف العظيم بإرسال النبي الكريم، من البلد الذي فيه البيت الحرام، فلما أرادوا إهانة هذه البقعة التي يراد تشريفها وإرسال الرسول منها أهلكهم سريعاً عاجلاً، ولم يكن شرائع مقررة تدل على فضله، فلو دخلوه وأخربوه لأنكرت القلوب فضله. وأما هؤلاء القرامطة فإنما فعلوا ما فعلوا بعد تقرير الشرائع وتمهيد القواعد، والعلم بالضرورة من دين الله بشرف مكة والكعبة، وكل مؤمن يعلم أن هؤلاء قد ألحدوا في الحرم إلحاداً بالغاً عظيماً، وأنهم من أعظم الملحدين الكافرين، بما تبين من كتاب الله وسنة رسوله، فلهذا لم يحتج الحال إلى معاجلتهم بالعقوبة، بل أخرهم الرب تعالى ليوم تشخص فيه الأبصار، والله سبحانه يمهل ويملي ويستدرج ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:


(١) السير (١٥/ ٣٢٠ - ٣٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>