للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك الشافعي رحمه الله، وكذلك سفيان الثوري رحمه الله، وطائفة من فقهاء العراق، وكذلك أحمد ابن حنبل رحمه الله، كل واحد من هؤلاء له مذهب يخالف فيه غيره.

ونرى قوماً من المعتزلة والرافضة وأهل الأهواء يعيبونا بهذا الاختلاف، ويقولون لنا: الحق واحد فكيف يكون في وجهين مختلفين؟ فإني أقول له في جواب هذا السؤال: أما ما تحكيه عن أهل البدع مما يعيبون به أهل التوحيد والإثبات من الاختلاف، فإني قد تدبرت كلامهم في هذا المعنى، فإذا هم ليس الاختلاف يعيبون، ولا له يقصدون، وإنما هم قوم علموا أن أهل الملة وأهل الذمة والملوك والسوقة والخاصة والعامة وأهل الدنيا كافة، إلى الفقهاء يرجعون ولأمرهم يطيعون، وبحكمهم يقضون، في كل ما أشكل عليهم، وفي كل ما يتنازعون فيه فعلى فقهاء المسلمين يعولون، في رجوع الناس إلى فقهائهم، وطاعتهم لعلمائهم ثبات للدين، وإضاءة للسبيل وظهور لسنة الرسول، وكل ذلك ففيه غيظ لأهل الأهواء، واضمحلال للبدع، فهم يوهون أمر الفقهاء، ويضعفون أصولهم، ويطعنون عليهم بالاختلاف، لتخرج الرعية عن طاعتهم، والانقياد لأحكامهم، فيفسد الدين وتترك الصلوات والجماعات، وتبطل الزكوات والصدقات، والحج والجهاد، ويستحل الربا والزنا والخمور والفجور، وما قد ظهر مما لا خفاء به على العقلاء. فأما أهل البدع -يا أخي رحمك الله- فإنهم يقولون على الله ما لا يعلمون، ويعيبون ما يأتون، ويجحدون ما يعلمون، ويبصرون القذى في عيون غيرهم وعيونهم تطرف على الأجذال، ويتهمون أهل العدالة والأمانة في النقل، ولا يتهمون

<<  <  ج: ص:  >  >>